اغتيال التخصصات الدقيقة بالجامعات.. الدروس الخصوصية.. هل هناك فرق!
السبت 08/أغسطس/2020 - 11:09 م
دفعني اتجاه الدولة للنهوض بالتعليم والتعليم الجامعي إلى محاولة التحقيق في بعض أسباب تدني مستويات التعليم الجامعي ببعض الجامعات، فأهل البيت يكون لديهم القدرة على الوقوف على مسالبه وهناته بشكل أكثر واقعية..
ولا شك إن خريج اليوم مع كل المتاح من مصادر التعلم فهو يفتقد كثير من المهارات التي تمتع بها خريج الأمس، ويظهر ذلك واضحاً في كثير من التخصصات العلمية والتطبيقية، وهنا يبرز تساؤل عن السبب وراء ذلك، فهل هو نقص المؤسسات التعليمية أم خلل في المناهج و وسائل التعليم والتَعلُم أم في نقص خبرة في الأستاذ أم أن هناك أسباب أخرى وراء ذلك..
وقد ينصرف ذهن القارئ الكريم إلى إن زيادة أعداد الطلاب وكثافتهم هي السبب الرئيس، وإذا اتفقنا جزئياً فللقارئ أن يعلم أن الجامعات المصرية تتنوع ما بين الجامعات الحكومية و الأهلية غير الهادفة للربح و الجامعات الخاصة، إلى جانب جامعة الأزهر والكليات العسكرية التي تتبع وزارتي الدفاع والداخلية، فضلاً عن ثلاث جامعات و خمسة فروع لجامعات مصرية خارج البلاد، هذا بالإضافة للأكاديميات والمعاهد العليا.
ومع وجود الوسائط المتعددة أصبح الحصول على المادة العلمية والمعرفة أمر غاية في السهولة واليسر لمن أراد! ولاستجلاء عناصر المشكلة الحقيقية ومسبباتها نوضح أن العملية التعليمية لابد وأن تسير في ثلاثة محاور متوازية نلخصها في الاختصار (KSA) وهي المعرفة knowledge وهي ذات مصادر متعددة ثم المهارة Skill وهي التي تحدد المستوى الفعلي للخريج وقدراته الحِرَفية، ثم الموقف السلوكي attitude وهو ما يحدد قدرة الخريج على الانصهار في منظومة العمل و استعداده للابتكار، و لايمكن بأي حال من الأحوال في نظام تعليمي أن يتجاوز أحد هذه المحاور أو يهملها، إذ أن إهمالها سيعقبة خلل في أحد مكونات خريجي هذا النظام..
و هنا لابد أن نذكر ونشيد بأساتذة عظام تربى البعض على أيديهم، كان احترامهم لتخصصاتهم العلمية الدقيقة وخبراتهم المكتسبة من خلال بحوث وأعمال ميدانية حقيقية من مكونات احترامهم لذاتهم فخرجوا خريجين أداروا عجلة الانتاج في قطاعات عدة أشاد بإنجازاتهم العالم كله، فكان مصطفى مشرفة وزويل و الباز وغنيم و مجدي يعقوب وكثير غيرهم ممن تربينا على أيديهم و من لا يخفى علمهم وأدبهم وخلقهم..
و لا شك أن تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي، التي بدأت بمادتي الرياضيات واللغة الانجليزية كمواد لجأ الطالب بالاستعانة في مذاكرتها للدروس الخصوصية فدفعت الطلاب للتكالب على تلك الاقسام في كليات التربية والأداب بما يضمن لهم مستقبلاً مضموناً بعد التخرج بالدخول في منظومة الدروس الخصوصية، ومن هنا دبت الفرقة بين المدرسين في المدرسة الواحدة، فمنهم من يتقاضى جنيهات بحكم تخصصه غير الجاذب للدروس الخصوصية ومنهم من يتكسب الآلاف بحكم تخصصه. وقد دفع ذلك بعض مدرسي المواد غير الجاذبة للدروس الخصوصية إما للاجتهاد واقناع الطالب بأهمية اللجوء للدروس الخصوصية في تخصصه أو الاجتهاد في تدريس مواد ليست في تخصصه مستعينا بصلات ادارية (واسطة) ومنها يمكن الانطلاق إلى غرف الدروس الخصوصية..
ونظراً لإن الظاهرات الاجتماعية سهلة الانتقال والتفشي كونها كقطع الدومينو المتساقطة، فقد طالت تلك المشكلة الأخلاقية الأقسام العلمية بالجامعة، فأصبحت بعض التخصصات بالجامعات المصرية بمثابة مواد الرياضيات واللغة الانجليزية في المدارس، فتكالب بعض أعضاء هيئات التدريس على اعتناق تخصصات علمية غير تخصصاتهم الرسمية، متشبسين بحصولهم على دورة أو اثنين من الدورات المهنية لغير المتخصصين، و لاشك أن تلك الظاهرة تعود بالسلب سواء على عضو هيئة التدريس، الذي لم يكثف اهتمامه في تخصصه الدقيق الذي درس فيه مراحل الماجستير والدكتوراه ليصقل خبراته ومهاراته الحقيقية فيصبح بمثابة الخبير فيه، ومن ناحية أخرى فهو يُخَرِب أجيال بحرمانهم من المهارات Skills التي يفتقدها هو من الأساس وكذلك حرمانهم من اكتساب الدفعية السلوكية attitude التي تربى عليها المتخصصون في اخصصاتهم وتجرعوها خلال سنوات طويلة، ومن جهة ثالثة غالبا ما يدفع ذلك الطالب دفعاً لمراكز الدروس الخصوصية لاستكمال المعلومة الاي قرأها له الدكتور من أحد الكتب المتخصصة أو لاكتساب المهارة في هذا التخصص الشهيد الذي تم اغتياله. ولابد للسؤال من إجابة! فهل تصلح بعض الدورات المهنية لإكساب عضو هيئة التدريس صفة التخصصية ضارباً بتخصصه الرسمي عرض الحائط لتخريج خريج شبه مؤهل؟
أم أن هناك مغزى سياسي آخر وراء حرص بعض العناصر في بعض الأقسام العلمية على الضرب بالأصول والقواعد بتدريس تخصصات تتنافى مع تخصصاتهم الرسمية في قرارات تعينهم، بل و رفض أي طلبات لنقل السادة أعضاء هيئة التدريس لتدعيم تلك التخصصات داخل الأقسام العلمية؟ لا شك أن بالأمر علامات استفهام! ولا شك أنها تصرفات لا يمكن وصفها بالوطنية، بل ربما كان عداء للدولة التي تربينا فيها بالمجان، عداء داخلي لا يقل بأي حال عن سلوكيات أعداء الخارج..
رفقاً بمصر! فليس من المعقول أن يستشهد جنودنا على الحدود فداءاً لأرواحنا و نحن نخرب في الداخل، ليس من العدل أن تتفانى جهود و أياد بيضاء في كافة ربوع البلاد لترفع راية مصرنا الجديدة ومن جهات أخرى تسيطر علينا تلك الأفكار الهدامة. وهنا تجوب في مسامعي كلمات الراحل فؤاد المهندس، الذي عاش مع محبي هذا الوطن ” مش كده ولا إيه!”