البرامج اللامميزة والمش مهندس.. التكسير داخل الصندوق
مصر في مرحلة جديدة للبناء، مرحلة تستلزم الوقوف جنباً إلى جنب مع القيادة السياسية بفكر واعي مستنير وجهود حقيقية، فلم يعد للفهلوة و الزيف و العبث معنى في بلد عاني الكثير في فترات مظلمة.
ولا شك إن الجامعات هي قاطرة التطوير وهي
بمثابة بيوت الخبرة، التي تمون المجتمع بخريج متميز نتاج خبرات حقيقية اكتسبها من علماء
متميزين تم صقلهم بها من خلال سنوات عدة من الدراسة والبحث في مراحل الماجستير والدكتوراة
وما بعدها، وقد كان الهدف الرئيس وراء انشاء الجامعات الإقليمية هو جعلها كمراكز
لنقل الخبرات للطلاب، فضلاً عن كونها بيوت استشارات فنية للأقاليم.
وقد سارت الجامعات الإقليمية على هذا النهج
مستعينة بخبرات وتخصصات متعددة، بعضها من خارج الأقاليم ذاتها من الأساتذة في احترام
واضح للتخصص العلمي الدقيق في بدايات انشائها فحققت إلى حد كبير الهدف من اقامة الجامعات
الإقليمية في هذه الأماكن.
ومع تعقد الحياة وبظهور خبرات وتخصصات جديدة
لاحت بالجامعات الكبرى أفكار إنشاء برامج مميزة موازية للبرامج التعليمية التقليدية،
الفكرة كانت جيدة بشكل كبير، بحيث تسمح بنقل خبرات علماء متخصصين ومتميزين في تلك التخصصات
الجديدة لتخريج خريج جامعي متعلم ومُدَرَب يشارك في منظومة العمل والإنتاج و يكون
داعماً لجهود الدولة في تخريج طلاب حاصلين على تعليم حقيقي.
إلا إنه على الجانب الآخر ظهرت أقسام
علمية في بعض الجامعات الإقليمية تنتهج نفس النهج ولكن بشكل زائف، حيث تقوم بانشاء
برامج تحمل مسمى "البرامج المميزة" لكنها للأسف تضرب بكل معايير الجودة
عرض الحائط، وبعد إن كان الهدف و رسالة تلك البرامج في الجامعات الكبرى هي تخريج
خريج مميز يكتسب خبرات أساتذة متخصصين، فنظيرتها في بعض الجامعات الإقليمية لا تعترف
في إنشاء هذه البرامج إلا على قاعدة "العدد في الليمون" غير معترفين بمعايير
الجودة NORMS التي تفرض عدد ٢٥ طالب حد أقصى
لكل عضو هيئة تدريس في البرامج العملية والتطبيقية ولا بالتخصص الدقيق لهم (تخصصاتهم الأصلية داخل قرارت تعيينهم الرسمية).
فتجد بعض أعضاء هيئة التدريس في تلك الأقسام
لا يشغله تلك المعايير ولا يلقي بالاً للتخصص العلمي الدقيق، إذ يستطيع إذاعة ما
يقرأه في بعض كتب المتخصصين بسهولة على الطالب داخل قاعات التدريس، دون النظر لمردود
تباين التخصصات، وأترك للقارئ الكريم محاولة التوصل لسبب ذلك، خصوصاً إذا رأينا
التهافت على الحصول على ساعات تدريسية أضعاف الأنصبة، وما يزيد الأمر تساؤلاً هو
رفض طلبات نقل أعضاء هيئة تدريس متخصصين في تلك التخصصات ذات العجز متعسفين ومتشبسين
بالمواد القانونية التي تنص على أخذ رأي مجلس القسم العلمي في حال تقدم أحد أعضاء
هيئة التدريس للنقل منها أو إليها.
الأمر جلل وفيه تحدٍ صريح لسياسة الدولة نحو التغيير للأفضل، وسوء استعمال نصوص القانون للمصالح الشخصية هو من الأمور التي يجب أن ينظر إليها صانع القرار بعناية، فليس من المنطقي أن ترفع أقسام علمية راية "البرامج المميزة مدفوعة الأجر" ثم لا نجد للتميز ضرباً فتصبح " برامج غير مميزة" كما إنه ليس من المقبول أن يدفع الأب لإبنه في برامج يعتقد إنها علمية ويظل يحلم بتخرج إبنه الباشمهندس، وبعد تخرجه يكتشف وتكشف جهات التوظيف إنه ال"مش مهندس".
* كاتب المقال
الدكتور هاني أبو العلا
أستاذ جغرافيا العمران ونظم المعلومات الجغرافية؛