الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

كيف ستنهار إثيوبيا لو باعت المياه؟!

الخميس 02/يوليو/2020 - 12:36 ص

 "أيها الإخوة.. إن مصر ستدعم وتحمي المصالح الحيوية لشعبها.. فالبقاء ليس مسألة اختيار، بل هو ضرورة تمليها الطبيعة" .

بهذه الكلمات المضيئة الحاسمة حدد سامح شكرى وزير الخارجية الخيط الأبيض من الأسود في موقف القاهرة من سد النهضة، من فوق منصة أبرز محفل عالمي (مجلس الأمن)، بعدما قام بتفكيك ركائز الموقف الإثيوبي المراوغ القائم على الأكاذيب، طوال عشر سنوات من المفاوضات العبثية .


وكما هو متوفع فاض خطاب مندوب إثيوبيا بالافتراءات على مصر وكأنها السبب الوحيد لكل مشكلات بلاده، لكنه نسي وهو يكيل الاتهامات أنه فضح النوايا الحقيقية لإثيوبيا من وراء السد.

علينا ألا ننكر البراعة الإثيوبية في ادعاء المظلومية إلى درجة إعادة هندسة الماضي وإعادة تركيب التاريخ بما يتوافق مع أغراضها، وهي تدوس القوانين الدولية للأنهار (نهج إسرائيلي)، وتضرب عرض الحائط بالعلاقات الأزلية بين شعوب النيل (نهج تركي)، حوّل قادة إثيوبيا السد قضية شعبوية وكأن مصر عدو أبدي جاءت الفرصة لجعله يدفع الثمن فادحا، مرة وإلى الأبد.


بينما يمارسون إحدى أكبر عمليات الخداع الاستراتيجي في التاريخ إزاء السودان، وكأن سد النهضة أنشيء على الحدود ليسقط ثماره على السودانيين، المحزن أن قطاعا منهم صدق الخديعة، ناسين أن احتمال انهياره سيكون أبشع من مصير (سد مأرب) الذي أفنى حضارة اليمن.


القضية ليست توليد الكهرباء، تريد إثيوبيا أن تصبح (بنك المياه)، بدعم من (أشقاء عرب) وقوى إقليمية ودولية، تمول وتساند؛ لتكون مياه النيل وسيلة ضغط على مصر والسودان، قال خبير المياه الإسرائيلي أولي لوبراني، في الثمانينيات: إن مياه النيل ستكون لجام مصر، في حال تنصلها من اتفاقية كامب ديفيد وانغماسها بالصف العربي. المفاجأة المذهلة أن دراسة أجراها أسفاو بيني أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز كفاءة الطاقة بجامعة سان دييجو الأمريكية أكدت أن سد النهضة (سد فاشل) بتوليد الطاقة، قياسا إلى حجمه وتكلفته، يولد ألفي ميجاوات بأحسن الأحول لا ستة آلاف، وطالبت بتصغير حجم السد، فهو (سد سياسي) لا تنموي، للتخزين لا التوليد، وحذر من عيوب خطيرة بتصميم السد.


يذكر أنه حتى اليوم لم تنفذ دراسات أمان السد وتأثيراته في البلدان الثلاثة بسبب التعنت الإثيوبي. وكان خبير المياه والسدود السوداني العالمي البروفيسور الرشيد سباقا في التحذير من خطورة السد والسلوك الإثيوبي تجاه بقية دول الحوض، حيث فسره بمفهوم أو بروتوكول (النقر) الذي ابتكره عالم الاجتماع الألماني ثورليف شيلدراب-ايبي لوصف النظام الطبقي ونوازع الهيمنة بين الدواجن؛ حيث يقوم الدجاج الأكبر (بنقر) الدجاج الأصغر منه، وهذا عليه أن يرضخ دون رد فعل، لكنه يقوم بدوره (بنقر) الدجاج الأصغر منه، وهكذا، ولأن الموقع الجغرافي لدول (المنابع) في نهر النيل يتيح لها (ممارسة النقر) ضد دول (المصب)، دون أن تخشى الضرر من رد الفعل، فالموقع يتيح لها (السبق باستغلال المورد).


إن المثل القائل: (من أمن العقوبة أساء الأدب) يصلح في حالة (الدجاجة الإثيوبية)، نوازع الهيمنة لديها قديمة، كانت تنتظر اللحظة المناسبة؛ خلال مفاوضات عنتيبي، عام 1995، قال رئيس الوفد الإثيوبي إن بلاده يحق لها أن تبيع ماءها كما يبيع الآخرون بترولهم. وهو منطق مناف للشرائع وللإنسانية.


الأهم أن تسليع المياه وبيعها ليس خطرا على السودان ومصر فحسب، بل خطورته الأشد على وجود إثيوبيا ذاتها؛ إثيوبيا أقاليم تسكنها شعوب وعرقيات متنافرة، وبحيرة تانا التي ينبع منها النيل الأزرق لا تشمل الدولة كلها، بل مساحة صغيرة، مما يفجر الصراعات حول ملكية المياه والتصرف في أموالها حينئذ، بين القوميات المتناحرة، ومن ثم تفكيك الدولة، خاصة أن الدستور الإثيوبي يعطي القوميات حق تقرير المصير.


لذلك على إثيوبيا التوقف عن (النقر) حماية لوحدتها الهشة، وإذا كانت أطماعها الاستعمارية قضمت من الصومال وإريتريا والسودان وكينيا، فهذا لأن الدجاجة الإثيوبية لم تواجه الثعلب- أم أقول الأسد- المصري.


مصر دولة حق وسلام ولديها أوراق لم تشهرها بعد، وبغض النظر عن نتائج اجتماع مجلس الأمن فإننى على يقين بقدرة القيادة السياسية على الحفاظ على حقوق المحروسة في النيل، والاستعداد للمستقبل لأننا في الجولة الأولى. يقول المشير أبوغزالة: إن أفضل الحروب هي التي لا تندلع، والسلام هو ألذ الانتصارات.. لكن السلام يحتاج إلي قوة تحميه، تمنع اندلاع الحرب، وتجعل مجرد التفكير في مواجهتك أو العدوان عليك.. انتحارا!.