الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

اللعب بالنار!

الخميس 18/يونيو/2020 - 03:11 ص

دولة يهطل عليها 1000 مليار متر أمطار ولديها 12 نهرا و22 بحيرة

وتريد أن تصادر حصة مصر التى تبلغ 5% فقط مما تحوزه؛ بحجج وذرائع أقل ما يقال عنها إنها أكاذيب، فإذا لم يكن هذا لعبا بالنار فبماذا يسمى؟!

مقالي بأهرام الأربعاء 17 يونيو

حفظ الله مصر ... حفظ الله "الجيش العظيم"!

إثيوبيا.. و"حافة الهاوية"

 

 لوّح نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي بالحرب، في تصريحات صحفية، مؤكدا أن بلاده ستدافع عن حقها في السيادة على سد النهضة، وأضاف: يعلم المصريون والعالم كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها.. تصريح عنتري ضمن مسلسل تهديدات زاعقة يلقي بها زعماء إثيوبيا، على رأسهم آبي أحمد رئيس الوزراء الذي شدد، عشية المفاوضات الأخيرة حول السد، بأن أديس أبابا سوف تبدأ ملء بحيرة السد مطلع الشهر المقبل، حتى دون اتفاق. كلام يجعل أي مفاوضات نوعا من الهراء، فعلى أي شيء نتفاوض إذن؟!.  

 لكن هذه العنتريات الجوفاء، تكشف عن اضطراب شديد بالداخل، حيث يريد آبي أحمد تحقيق انتصار معنوي وحشد الأصوات لو أجريت الانتخابات التي تم تأجيلها لأجل غير مسمى، بالتعنت مع مصر والسودان، مع ذلك تلاحقه الأزمات، استقالت كيريا إبراهيم رئيسة مجلس النواب، اعتراضا على تأجيل الانتخابات، خشية مما وصفتها بـ(ديكتاتورية في طور التكوين). أما جبهه تحرير تيجراي فقررت إجراء الانتخابات بالإقليم، ووصفت آبي أحمد بأنه يقود انقلابا علي الدستور؛ للبقاء في الحكم، بما يهدد بإشعال حرب أهلية.

 تتبع الحكومة الإثيوبية سياسة (حافة الهاوية)، ضد مصالح مصر والسودان في مياه النيل الأزرق، أي تصعيد محسوب على حافة الصدام، وقد أخذت خطوة أبعد بانتهاج سياسة (اللعب بالنار)، تطلق التهديدات، عطفا على التصلب في المفاوضات، ولاتخجل من مطالبة البلدين بعدم الاعتداد بالاتفاقيات القديمة، ومنها 1902، و1929، و1959، والتي وصفتها بالاستعمارية.

أمام هذا الوضع الخطير، يتساءل بعضنا: ما العمل؟

 يلجأ بعضهم لإلقاء قطعة نقود في الهواء، ولو كان الجانب الأعلى صورة تكون حربا، ولو كتابة فهي تهدئة. قد يصلح ذلك في اختيار لون فانلة فريق كرة، لكن لا مجال له هنا، القضية معقدة، النيل سر وجود مصر، بدونه تصبح مقبرة بحجم دولة. وهناك من يسعون لإحداث انقلاب استراتيجي بأوضاع الإقليم، فوق إحداثيات الأمن القومي المصري، إنه صراع ممتد لا يجوز فيه تسطيح الرؤية؛ فالردع بكل أشكاله موجود على الطاولة؛ قالت أسماء عبد الله وزيرة الخارجية السودانية: إن أديس أبابا إذا ووجهت بموقف قوي من الخرطوم والقاهرة (ستفكر مرتين) قبل ملء السد بدون اتفاق. أما مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس السيسي فلم يتأخر في وضع النقاط على الحروف، بتحذيره إثيوبيا من المماطلة والتنصل من الالتزامات. 

 ووصف المتحدث باسم وزارة الري الموقف الإثيوبي بأنه يتأسس على إرغام مصر والسودان إما على التوقيع على وثيقة تجعلهما أسرى لإرادة الإثيوبية، أو أن يقبلا بقيام أثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية؛ كاشفا عن افتقارها الإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل، كذلك نيتها استغلال مياه النيل، دون التفات إلى الأضرار الجسيمة التي ستلحقها بدولتي المصب، مائيا واقتصاديا وبيئيا وسياسيا.. لهذا عليهما إدراج بند التعويضات بأي اتفاق.

 وبرغم هذا التعنت فإن أديس ابابا التي تلوّح بالحرب، تدعي (المظلومية)، ولاتتوقف عن ممارسة التضليل للتأثير في شعوب النيل والعالم، باتهام مصر بأنها تعرقل المفاوضات، مع أن إثيوبيا هي من يفعل، فمصر تدعم التنمية بدول الحوض، بدليل أنها تنشيء حاليا سد ستيجلر علي نهر روفيجي للأشقاء في تنزانيا، بسعة ٣٤ مليار م٣ ويولد ٢١١٥ ميجاوات، بما يدحض المزاعم الإثيوبية. إن الأكاذيب (استراتيجية إثيوبية)، فهي غنية بالمياه، يهطل عليها 1000 مليار متر أمطار سنويا، المياه السطحية 122 مليارا، ولديها 12 نهرا و22 بحيرة ومياه جوفية متجددة، ويتجاوز نصيب الفرد 1900 متر سنويا، أما مصر فليس لها سوى حصة 55 مليارا من النيل وتستورد 60% من غذائها، ولايتجاوز نصيب الفرد 500 متر، مع تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف، لذلك عليها ألا تكتفي بالحفاظ على الحقوق المكتسبة فحسب، بل المطالبة بزيادتها عبر مشروعات حصاد المياه بدول الحوض.

 لذلك قد تلجأ القاهرة لمجلس الأمن لوقف بناء السد؛ استنادا للبند الخامس من إعلان المبادئ؛ قبل التوجه لمعركة قضائية دولية، إنه صراع قابل للتمدد، في ظل إعادة توزيع القوى بالمنطقة، تتحول بموجبها مراكز طرفية غير عربية، إلى قوى قطبية مركزية، يجرى إيقاظ حواسها التوسعية، ومن الجيد أن موازين القوى مازالت في صالح مصر والمصريين جميعا يستشعرون الخطر، وهم مستعدون لحماية مصالح الوطن بأي ثمن عن طيب خاطر؛ فسد النهضة بداية المعركة لا نهايتها، وهذا دور السياسات الاستباقية الوقائية.