كورونا وإعادةُ بناءِ الثقةِ
الثلاثاء 26/مايو/2020 - 05:25 م
قلبَت كورونا كلَ الحساباتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والصحيةِ والتعليميةِ والاجتماعيةِ، أكدَت أن العالمَ في مواجهتِها لا كبيرَ له، أسقطَت الغربَ في الجولةِ الأولى بالضربةِ القاضيةِ الفنيةِ. واجهتَها الحكوماتُ بقدرِ المتاحِ، وانكشَفَت إمكاناتِها بقدرِ ما أدَت..
لنركزْ مع أنفسِنا. بذَلَت الحكومةُ ما تستطيعُ، ضاقَت امكاناتُها أحيانًا، واستوعبَت أحيانًا أخرى. أما الشعبُ، فأيضًا صمَدَ، اِلتَزَمَ في حدودِ طاقةِ تَحمُلِ تقييدِ الحركةِ وفي إطارِ سماحيةِ لقمةِ العيشِ، وسطَ توجسِ من الضياعِ في حالِ الإصابةِ. لا بدَ لسباقِ الماراثون من نهايةٍ، اصابَ التعبُ الجميعَ، الحكومةَ والشعبَ، لا مفرَ من عودةِ الحياةِ العاديةِ..
تهليلُ البعضِ للمسؤولين عن التعليمِ والتغني ببعدِ نظرِهم، بلا معنى على مستوى التعليمِ الجامعي وما دونِه؛ مع تقديرِ جسامةِ المفاجأةِ، لكن سياساتِهم ليست إلا ردَ فعلٍ نَمَطيٍ. لقد اِستمرَ التعليمُ إلكترونيًا بفعلِ جيوشٍ مجهولةٍ من أعضاءِ هيئة التدريسِ بالجامعاتِ ومُعلمي المدارسِ، الذين استخدموا منصاتٍ تعليميةٍ إلكترونيةٍ بجهودِهم الذاتيةِ دونما فضلٍ من مؤسساتِهم التعليميةِ. لطالما تعرَضَ أعضاءُ هيئةِ التدريسِ بالجامعاتِ لعنتٍ أجوفٍ غيرِ ملائمٍ وأيضًا لتَسَلُطٍ ونُكرانٍ مما يُسمى الجودةُ التي كانت أولَ الفاشلين في تلكِ الأزمةِ..
الصيدُ في كل مياهٍ سبوبةٌ، وقد كانت سبوبةُ كورونا فرصةً لهواةِ الظهورِ وعشاقِ الكراسي بلا كَلَلٍ ولا خَجلٍ. لا الغربُ يستحقُ التقليدَ في كلِ نظمِه التعليميةِ، ولا يمكنُ أن يستمرَ التعليمُ إلكترونيًا "زي برة" كما يَدَعون. سيظلُ التعليمُ لقاءً مباشرُا بين الاستاذِ والطالبِ، وسيبقى التعليمُ الإلكتروني مساعدًا، فقط لاغير..
مع كلِ أزمةٍ لابدَ من وقفةٍ للمحاسبةِ. هل المسؤولون الذين لم يؤدوا حقًا كانوا وحدَهم أم أن حولُهم بِطاناتٍ تتقلبُ مع كلِ مسؤولٍ ثم تنقلبُ عليه لغيرِه.. هل الإداراتُ الجامعيةُ كلُها تشعرُ بأعضاءِ هيئةِ التدريسِ وبما أدوا في صمتٍ مُغلفٍ بالأسى؟
كورونا فرصةٌ لإعادةِ بناءِ الثقةِ في الذاتِ ولعدمِ تقليدِ الغربِ، أنقذوا التعليمَ من تجاربِ "المُتشعبطين" في النظمِ الغربيةِ، وما هي إلا سُلَما خاصًا بهم. وإذا كان الغربُ قدوةً لما إذن يُنكَرُ عنه أخذُ آراءَ أساتذةِ الجامعاتِ، البعيدين عن الولهِ بالكراسي والظهورِ، فيما يخصُ أمورَ تخصصاتِهم؟ كفى تقليدًا للغربِ وكفى مُركباتِ نقصٍ، كفى تعلُقًا بتصنيفاتٍ للجامعاتِ على كلِ شكلٍ ولونٍ. اللهم اِحمْ التعليمَ الهندسي من أشخاصِ ولجانِ "تقليد الغرب" بحجةِ التطويرِ..
من يُطلِقُ أرقامًا لايكشفُ الحقيقةَ دائمًا، إنما يكشفُ نفسَه يقينًا؛ قاعدةٌ مستديمةٌ غيرُ منسيةٍ. ولمخترعي دهان الهوا والمطبلاتية اِتلموا، ولبعضِ إعلامٍ كَفاكُم تأنيبًا للشعبِ.. اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز..
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس