الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

الرد الإثيوبي في مجلس الأمن

الأربعاء 20/مايو/2020 - 09:46 م

دخل ملف سد النهضة أخطر مراحله، لايزال الموقف حوله جامدا، برغم كثافة النقلات الشطرنجية، في صورة كر وفر بين مصر والسودان وإثيوبيا، فالهوة واسعة بينها، وكأن الجهود التفاوضية طوال 9 سنوات (جري في المكان)، نهاية اللعبة تلوح في الأفق وتقترب في صمت مجلجل.

في الأيام الماضية، تبادلت مصر وإثيوبيا اللجوء للمجتمع الدولي في قضية السد، أرسلت القاهرة إحاطة لمجلس الأمن، في 17 صفحة، حول تداعيات السد وخطورة الإعلان الإثيوبي عن بدء ملء خزان السد، يوليو المقبل، دون اتفاق مع دولتي المصب، في خطوة إحادية تعكس غياب روح التعاون وتخرق القانون الدولي واتفاق المبادئ عام 2015، وتجعل السد تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، يعصف بحياة 100 مليون مصري، يعتمدون كليا على نهر النيل، وأوضح سامح شكرى وزير الخارجية أن القاهرة لا يمكنها تحمل تلك الأضرار الجسيمة، داعيا العالم إلى تشجيع إثيوبيا على القبول باتفاق واشنطن لملء وتشغيل السد والذي تهربت من التوقيع عليه.

الرد الإثيوبي لم يكن مفاجئا، وجاء طافحا بالأخطاء وتزييف الحقائق، على نحو مثير، حيث قللت الخارجية الإثيوبية من تأثير المذكرة المصرية لمجلس الأمن، وقالت إنها لن تحقق أي نتيجة، وإن بدء ملء السد، خلال موسم الأمطار، جزء من خطة البناء، لا يستدعي إخطار دولتي المصب، وهو لا يسبب ضررا كبيرا لهما، واتهمت القاهرة بالرغبة في إعادة فرض اتفاقية استعمارية سابقة غير عادلة على أديس أبابا، على حد زعمها، وتمثل تلك المذكرة استمرارا لاستراتيجية إثيوبية ثابتة، تعتبر بناء السد وتشغيله مسألة سيادية، لذلك تعرقل الوصول لاتفاق يضمن لها الكهرباء والتنمية وأمان السد ويحمي تدفق النيل ومصالح دول المصب.

تريد أديس أبابا أن توهم العالم بأن القاهرة تعرقل المفاوضات، لذلك فاضت بنود مذكرتها بالمغالطات، تذكر إثيوبيا أن إطلاق مشروع السد بدأ في 2010 بينما حدث الأمر في 2011، وتعتبر حصة التاريخية- بنحو 55 مليار متر مياه- اقتساما غير منصف لموارد النهر، وتحاول الحصول على جزء منها، المفارقة أن حصة مصر تمثل 5% من الأمطار التي تهطل على إثيوبيا- تتجاوز 1000 مليار متر سنويا- تغذي زراعاتها وغاباتها ومراعيها وإنتاجها الحيواني، كما تغفل عن أن نصيب المصري من المياه هو الأقل بين دول حوض النيل- 500 متر سنويا- وفي سعيها لخلق واقع جديد على النيل، ترفض أديس أبابا الاعتراف بالاتفاقيات الـ15 بين مصر ودول الحوض، خمس منها موقعة مع إثيوبيا، أهمها 1902.

ولشعوره بأن مصر ضيقت عليها الخناق، وفضحت سوء نياتها، تجاهل الرد الإثيوبي الإشارة إلى مفاوضات واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والبنك الدولي، والتي خلصت إلى اتفاق على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، رفضت توقيعه في اللحظة الأخيرة، بينما بادرت مصر بالتوقيع، بما يعكس عدم التزام الإثيوبيين بنتائج مباحثات واشنطن وكأنها كانت مجرد نزهة. كما تغافلت إثيوبيا عن قضية بالغة الخطورة بالنسبة للسودان ومصر وهي معامل أمان السد، علما بأنها نكصت- حتى الآن- عن تنفيذ توصيات تقرير اللجنة الدولية في مايو 2013، والذي حذر من عيوب خطيرة تهدد سلامة السد ومن آثاره الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. التعنت الإثيوبي ينبع من تصورهم أن مصر سوف ترضخ في النهاية، ولم يخجل المسئولون الإثيوبيون أن يجعلوا المفاوضات رهينة لاعتبارات داخلية، إذ طالبوا بتأجيل توقيع اتفاق واشنطن، بزعم الانتخابات التشريعية، ثم عادوا وأجلوا الانتخابات نفسها، بحجة كورونا.

لقد أصبح ضروريا وقف تشييد السد وملئه، لحين الوصول لاتفاق، الاتفاق جاهز للتوقيع، فإذا كانت أديس أبابا تريد تخفيف حدة الفقر، فالقاهرة فقيرة مائيا لدرجة الشح، واتفاقية واشنطن تمثل (أضعف الإيمان)، وأقصى ما يمكن لها أن تتحمله من أضرار، بمعنى أن الاتفاق متوازن وبضمانة دولية، لكن إثيوبيا لا تريد الحل، بل المراوغة، يختلق النظام الحاكم معارك وهمية مع مصر لكتم التوترات العرقية والقبلية والصراع على السلطة والثروة، ومن ثمّ لا مفر من التصعيد الدبلوماسي لأقصى حد، لبناء موقف عالمي مؤيد لمطالبنا المشروعة، إذ يتعين على المجتمع الدولي العمل بحزم لنزع فتيل الأزمة، بإجبار إثيوبيا على اتباع سلوك أكثر عقلانية وتعاونية وأقل عدوانية واستفزارا، لأن الإخفاق في ذلك يعرض السلام والأمن الإقليمي والعالمي لخطر جسيم، الشعب المصري لا يمكنه أن يموت عطشا.