الإرهاب والمرض النفسى ولعبة الشيطان
الأحد 19/أبريل/2020 - 11:20 م
"إن الإرهاب القائم على الغدر وقتل الأبرياء وتزييف الحقائق ما هو إلا الرقصة الأخيرة التي تثبت عجزه عن إحداث تغيير في الواقع وفي الناس. وسوف يظل الإرهاب عملاً خسيسا ضد الأخلاق من أي نوع؛ لإن الإرهابي يعمد إلى الإمعان في إثارة آلام وشرور أعمق وأشد، فباسم أي حق وباسم أية أخلاق يموت الأبرياء ويموت الضباط والجنود لمجرد أنهم يخالفون الإرهابي في الرأي والعقيدة؟ وباسم أية أخلاق لا يأمن الإنسان على نفسه وهو يشعر أنه مهدد بتصفيته جسدياً من مخالفيه في التوجه والأيديولوجية؟
في الواقع إن الإرهاب كسلاح في التعامل مع الخصوم هو لعبة الشيطان وسلاح بدائي يفقد قيمه وينقض أخلاقياته؛ فالأخلاق عنده مجرّد مجاملة للنزعات والأهواء التي تسيطر على جماعة أو تيار؛ وبالتالي تفقد الأخلاق مضمونها وتتصدع قوانينها.
إن الإرهاب ينجب حفّار قبره بفكره الذي ينطوي على تناقضات تدمر عقله تدميرا ذاتيا، ويظل العمل الإرهابي تفكيراً لا منطقياً عاجزاً وقاصراً ومنهاراً، لأنه يدفع إلى فعل كل شيء ولا يتوانى عن أي شيء مهما كان لا أخلاقياً من أجل انتصار قضيته المزعومة، حتى لو ضاع الوطن وضاع الأهل! ويظل هذا العنصر قاصراً لأنه ينطلق من موقف شديد التشنج والخطورة من شأنه أن يؤدى إلى أعمال شرسة ووحشية ضد الآخرين، وإلى أعمال انتحارية يروح ضحيتها الأبرياء، وتتيتم الأطفال، وتترمل الزوجات، ويحزن الآباء والأمهات حزنا لا يطاق.
إن الإرهاب لا يراعى أية عُرف وأية حُرمة اجتماعية أو دينية، كما أنه لا يراعى أية قاعدة أخلاقية تشكل عائقاً في سبيله، إذ أنه يضع بتصرفه جميع الطرق والأساليب والوسائل الممكنة دون أن يتراجع أمام الصعاب مهما بلغت خطورتها لأنه يلعب لعبة الموت فقط. فهو لا يتوانى عن ضرب أي هدف يقع على مطال يده.
إن التحليل النفسي لشخصية الإرهابي، أمر جدير بالتوقف طويلا عنده، فبدون التحليل النفسي لا يمكن أن نعرف كيف يفكر الإرهابي، وبدون فهم نفسية الإرهابي يصعب أن نتعامل مع طريقته في التفكير، وبالتالي يصعب معالجته ومواجهته؛ لأن الإرهابي يتصرف في مختلف المواقف على أساس أفكاره التي يتبناها بيقين مطلق، وبناء على معتقداته التي يقتنع بها بشكل نهائي. والواقع أن شخصية الإرهابي، شخصية مركبة تجمع في خصائصها بين سمات خمسة أنماط من الشخصية، مصنفة عند علماء النفس على أنها شخصيات مضطربة (غير سوية)، وهي: الشخصية المصابة بالبارانويا، والشخصية النرجسية، والشخصية الوسواسية القهرية، والشخصية من النمط الفصامي، والشخصية المعادية للمجتمع.
إن الشخصية المصابة بالبارانويا، يتيقن صاحبها ويشعر شعورا عميقا دوما بالاضطهاد والمؤامرة عليه، ويتصور على نحو مؤكد أن جميع حقوقه مهضومة ومهدرة، وتضعه محصلة أفكاره ومعتقداته في وضع استعداد مطلق لقتل الآخرين من أجل تحقيق أهدافه ومقاصده من خلال بطولات زائفة. وتستحوذ عليه نزعة مميتة لحمل الضغائن المحملة بالكراهية السوداء المستديمة، وهو يرفض التسامح، لأن صفة العدائية متحكمة فيه. وهذا لا نجده فقط في العمليات القتالية الانتحارية، ولكن نجده أيضا في تاريخ الأفكار وفي الحياة اليومية، بل وفي العمل، لقد بلغت الضغينة بأحدهم أنه علم بإصابته بفيروس كورونا المستجد فأخذ يختلط بزملائه لمدة خمس ساعات متعمدا حتى يصيبهم! وبلغ ببعضهم الاضطراب النفسي إلى حد محاولة إرباك بعض الدول وأجهزتها وأطقمها الطبية من أجل إفشالها في مواجهة هذا الفيروس اللعين على حساب حياة الناس! والغريب أن هؤلاء المضطربين يعتقدون اعتقادا جازما أنهم في حالة جهاد مقدس!
يرى بعض علماء النفس أن بداية تكوين الشخصية المصابة بالبارانويا، هي بزوغ ونشوء معتقدات وهمية لا عقلانية عند الفرد المهيأ للاستجابة، وتزيد وتقوى هذه المعتقدات الواهمة بمرور الزمن حتى تصير في عقل هذا الشخص وكأنها حقائق فعلية يقينية واقعية. ويؤكد هذا النوع من التفسير أن الإرهابيين كانوا قد تلقوا هذه المعتقدات من بعض الشخصيات الدينية المتطرفة التي تملك قدرة على خلق عوالم ذهنية بديلة بالإقناع والتأثير تحت شعارات مزيفة ومكانة مزعومة. وهذه القدرة على التأثير لا تتحقق إلا فيمن لديهم استعداد أصلا للاستجابة بحكم طريقة التفكير الخاطئة والتكوين النفسي والشعور المبالغ فيه بالاضطهاد، والتربية الاجتماعية التي كان يتعرضون فيها للإهانات المجتمعية والتحقير والتوبيخ الأسري.
ومن سمات الشخصية النرجسية التي تتصف بها شخصية الإرهابي، سمة العجرفة والتعالي على الآخرين في سلوكه، والشعور بالعظمة، وبأهمية ذاته، وأنه يستحق الصدارة والأفضلية على الآخرين. وهذا وضع طبيعي لكونه يملك اعتقادا يقينيا بأن الآخرين على باطل مطلق، دون أن يستمع إليهم أو يقرأهم، وحتى إن استمع أو قرأ فإنه لا يسمع ولا يقرأ إلا صدى أوهامه عن الآخرين، فهو يفكر تفكيرا نمطيا معلبا، ويتملكه شعور بأن أي شيء غريب عن أفكاره يُعد مؤامرة (سمات نفسية متداخلة مع أنماط أخرى)، و يُخيل إليه أنه على حق مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو المتحدث باسم الحقيقة المطلقة وهو الذي يعرف مقاصد الله تعالى، وهو الذي لديه علم السابقين واللاحقين، وأنه يملك مفاتيح الجنة ومفاتيح النار، يدخل إليهما من يشاء ويخرج منهما من يشاء وفق طريقته هو في الحكم والقضاء.
وفي الشخصية الفصامية، نجد بوضوح شديد تفاعلا حيا للصفات النرجسية مع الصفات البارانوية، مما ينجم عنه -كما يقول بعض علماء النفس- تثبيت أفكار ومعتقدات وإدراكات الإرهابي الوهمية، وتعزيز صفتين واضحتين من أهم صفات الشخصية الفصامية المرصودة في مراجع علم النفس، وهاتان الصفتان هما: أولا- صفة تصلب التفكير وافتقاره للديناميكية والمرونة والتبصر، وثانيا- الاستحواذ الكامل للمعتقدات الانتحارية على بؤرة التفكير في عقله.
وتأتي الشخصية الوسواسية القهرية، لتضيف للإرهابي بعض السمات الجوهرية في طريقة تفكيره، وفي جوهر شخصيته، مثل: الشك القهري في كل ما يقوله الآخرون مهما بلغت حجتهم من الإحكام، وضيق الأفق، وفقر المشاعر. وإذا كان تابعا في القطيع وليس قائدا فهو يتصف بالصرامة في تنفيذ التعليمات والتوجيهات من المسيطرين على أفكاره، والتبعية للقطيع الذي ينتمي إليه، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل، والجمود. وكل هذه السمات تجد مظاهرها في الولاء المطلق للجماعة التي يتبعها، والسمع الحرفي للأوامر دون تعقل والطاعة العمياء دون تبصر.
وتعزز "الشخصية المضادة للمجتمع" إحدى سمات الإرهابي الأساسية، وهي عدم شعوره بالندم أو الذنب عند إلحاقه الأذى بالآخرين، فهو يقتل ويذبح، سواء كان قتلا جسديا أو معنويا، دون أدنى مستوى من تأنيب الضمير أو الشعور بالندم، ولا يأبه لترمل الزوجات، ولا ليتم الأطفال، ولا لجرح المشاعر.
ويعكس هذا التنوع والتعدد في سمات الشخصية الإرهابية حجم العقد النفسية والتعقيد الشعوري والمعرفي للشخصية والاضطراب الذهني الشديد الذي تعانيه. ومثل هذه الشخصية الجامعة لهذه الصفات أو لبعضها لا تكون على وعي بأمراضها ولا بسيطرتها عليها ، فمثل هذه الشخصيات منفصلة عن الواقع ومنفصلة عن إدراك ذاتها نفسها، فليس لديها وعي ذاتي ولا استبصار في أغلب الأحوال. إنها حالة من الانغلاق الذهني والتصلب العقلي والجمود المعرفي، منسجمة مع صفات الجانب الوجداني للشخصية. وعلى ذلك، فإن الشخصية الإرهابية المباشرة أو المتقنعة التي تحاول تدمير الآخرين – سواء جسديا أو معنويا- هي نموذج مثالي ومركز للشخصية المريضة نفسيا التي تستقطب كل صفاتها المريضة المعادية للآخر، مع تغيير في الهدف وإلباسه ثوب المقدس!".