زي برة.. بعد كورونا
الأحد 12/أبريل/2020 - 09:42 م
موضة هذه الأيام، إذا أريدَ إسكاتُ أي نقاشٍ مخالفٍ أن يكونَ الردُ التقليدي "زي بره"، أي علينا أن نفعلَ مثلَهم لأنهم النموذجُ والقدوةُ. طبعًا "زي بره" تتحولُ إلى نحن لنا خصوصيتُنا وما يجري في الخارجِ لا ينطبقُ علينا، عندما يُرادُ التملُص مما يجري بره!! من سخريات ِمواجهةِ كورونا أن "برة" اخفقَوا واِنكشفوا جدًا.
أقول ذلك بمناسبة ما يُدبرُ للتعليم الهندسي في مصر. تطويرُ التعليمِ علمٌ مستقرٌ لا يعرفُ التقلباتِ ولا الفجائياتِ. يرتبطُ التعليمُ ارتباطًا وثيقًا بالمجتمعِ، أخلاقياتُه وعاداتُه وأعرافُه؛ المجتمعُ القائمُ على الأمانةِ والصراحةِ يُجَرمُ تعليمُه الغشَ والكذبَ والإدعاءَ وسرقةَ مجهودِ الآخرين. نظامُ التعليم في أوروبا واليابان والصين وكوريا والهند يختلفُ عن نظام التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وهناك تصميمٌ على هذا الاختلاف لأنه بيئةُ وثقافةُ مجتمعاتٍ تتمسكُ بشخصياتِها. لا يمكنُ لنظامِ تعليمٍ أن يغيرَ عاداتِ المجتمع وموروثاتِه، ولا يُمْكِنُ أن يتجاوزَ الإمكاناتِ التي توفرُها البيئةُ التعليميةُ من معاملٍ وقاعاتِ درسٍ ومكتباتٍ وشبكاتِ الإنترنت.
الان يُراد تقليلُ سنواتِ الدراسةِ بكلياتِ الهندسةِ لتقتصرُ على أربعِ سنواتٍ، "زي" ألمانيا. عباقرةُ الهندسةِ الذين وضعوا قواعدَ دراستِها كانوا على غلط لعقود!! الدراساتُ الهندسيةُ في كليات الهندسةِ تختلفُ عنها في المعاهدِ العليا الصناعيةِ بشمولِها الشقين النظري والتطبيقي، فيكون الخريجُ قادرًا علي الدخولِ في التطبيقاتِ بخلفيةٍ نظريةٍ تمكنُه من التصميمِ لا مجردَ الإصلاحِ، وهو الفارقُ الكبيرُ بين المهندسِ والفني. خريجٌ بلا تخصصٍ اقربُ إلى الفهلوي. أهي محاولةٌ للتنصلِ من توفير معاملٍ حقيقيةٍ بكلياتِ الهندسةِ؟ أهو لتقليصِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ؟ أهو لتخفيفِ العبءِ عن نظامٍ بالساعاتِ المعتمدةِ طُبِقَ دون أن يكونَ ملائمًا للأعدادِ الكبيرةِ؟ أهو إخضاعُ كلياتِ الهندسةِ العريقةِ لإنشاءاتٍ تُقامُ بمسمياتٍ أكاديميةٍ؟ أهو لتحليلِ استمراريةِ لجانٍ؟ وهل نظام التعليمِ قبل الجامعي في مصر فيه من النظام الألماني؟ هل ظروفُ العملِ في ألمانيا موجودةٌ في مصر؟
"زي بره" إلغاء سنة من كليات الهندسة، واستنساخُ نظمِ دراسةٍ بالساعاتِ المعتمدةِ لا تتفقُ والأعدادِ الكبيرةِ وقلةِ الإمكاناتِ الماديةِ والبشريةِ. "زي بره" ما يُرددُ عن إلغاء الكنترولات وترك النتيجةَ تمامًا للمصححين. "زي بره" ورقة امتحان بنظام الاختيارات المتعددة لا يسمحُ بمعرفةِ مقدرةِ الطالبِ على الكتابةِ العلميةِ. "زي برة" زيادةُ درجاتِ أعمالِ السنةِ على حسابِ درجاتِ الامتحانِ النهائى كي يكونُ النجاحُ بأقلِ مجهودٍ بلا اختبارٍ حقيقي. هل لو كلُّه "زي بره" ستُخدعُ الدولُ وتظنُ أن التعليمَ المصري تقدمَ؟! لا مؤاخذة لو لبسَ القردُ بدلة اسموكنج سيظلُ قردًا.
مع الاحترامِ للجميعِ، هناك وجوهٌ مستمرةٌ في لجانٍ بالمجلسِ الأعلى للجامعات، أهو "زي بره"؟! هل يُتركُ تشكيلُ اللجانِ لإرادةِ القائمين عليها، يضمون ويستبعدون؟ هل من نرجسيةٍ في اتخاذِ القراراتِ المصيريةِ؟ ما هي الخطوطُ الفاصلةُ بين الصالحِ العامِ وما دونه؟
"زي بره" في التعليم بكلِ مستوياتِه كارثيةٌ. والآن بعد كورونا، لا مبررَ لعقدةِ الخواجةِ والتقليدِ بلا منطقٍ، "زي برة" فارغةٌ من المضمونِ.
يا خسارتك يا هندسة، حسرةٌ علماءِ الهندسةِ الغيورين على مهنتِهم، الذين يُبدعون ويُستبعدون ولا يُسمَعُ لهم رأى. هل تؤيدُهم كورونا؟
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس