" رواد القيم "
الأربعاء 24/ديسمبر/2014 - 10:23 ص
يعيش المجتمع – الآن - تغيرات انعكست سلباً على قيمه ونظمه ،إذ أن التركيبة الاجتماعية تشهد مجموعة من العوامل تساهم في بناء منظومة القيم و توجه السلوك الانساني ، و منها : الأسرة والتربية والمعرفة و العقود .أما الأسرة المصرية فلم تعد محصنة من العلل الاجتماعية بسبب انهيار التماسك العائلي الذي ساهم سلفا في حمايتها كنواة أساسية لبناء الكيان المجتمعي ، و كدا تخليها عن أدوارها الرئيسية ، مما أدى إلى فقدان الأفراد للنموذج الأخلاقي و القيمي ، فتصبح الأسرة عامل هدم يضاف إلى الأمراض المجتمعية الخطيرة .
و المعرفة ، فقد اختلطت بالأعراف والعادات وفق الزمان ، فشابها شوائب ،وأصبحت حبيسة الجاهز، الشيء الذي تمخض عنه قتل روح البحث و الابتكار وقيم الفن ، و بات الجميع يستهلك في عصر توقفت فيه عملية إنتاج الأفكار والمعارف لتنتصر عملية استهلاك المعارف في أدنى صورها ، بالنظر للأساليب الحديثة التي ظهرت كنتيجة للعولمة ، فأدت بشكل تلقائي إلى تشجيع العنف والإباحية و انحراف السلوك .
التربية تمثل الركيزة الأساس، و مرآة حقيقية للمجتمع ، فهي مظهر من مظاهر ارتقاء و توجيه السلوك ، و تجلياً من تجليات ازدهار الشعوب و تقدمها ،لأنها من العناصر الإيجابية الهامة التي تعكس بجلاء درجة القيم النبيلة .
لكن الإشكال يتمثل في كون القيم والأخلاق النظرية لا تنسجم تمام الانسجام مع الواقع المشوه الذي تكرسه الثقافة السائدة فيؤدى إلى انفصام في الشخصية و خلق تناقض لدى النشئ كفئة مستهدفة، لتصبح عاملا آخر للهدم .
فأما عن العقود، فيمكن التمييز بين نوعين منها : ضمنية و مكتوبة ، فالضمنية فهي في شكل تعاقد بين الفرد و المجتمع يحرسها ضمير جمعي يسطر محرمات و واجبات وفق سلوك تجسده العادة، و يمثل فيها المجتمع دور الرقيب ، الآمر و الناهي ، و يخضع سلوك الأفراد إلى ثنائية العقاب و الجزاء ، و أما المكتوبة ، فهي القوانين و الالتزامات المكتوبة ، التي تضبط السلوك و تخضعه إلى المحاسبة ، و من تم إلى العقاب حسب درجة الفعل و تأثيره . لكنها أحيانا تكون غير كافية ، خاصة إذا اتسمت بطابع انتقائي ، و أحيانا لا يتم تحكيمها أو الاحتكام لها مطلقا ، بسبب فساد منظومة الأخلاق في شموليتها ، وبالتالي يتكرس وضع يخلق أزمة ثقة بمنظومة العقود والقيم ، وتصبح الثورة على القوانين نتيجة حتمية تأدي إلى فقدان شرعيتها .
وفقاً لذلك، فإن قيم المجتمع تساهم في بنائها عوامل كثيرة ، بل تشكل سلسلة متماسكة التركيب ، و هي الكفيلة بإحداث القطيعة مع المجتمعات التي سكنتها العلل ، وتوقفت عن أداء أدوارها ، ليس هذا فحسب ، بل أضحت عوامل هدم .
و كانت النتيجة أن تهرأت الثقافة ومنظومات القيم وقل دورها في ضبط التفاعل الاجتماعي من خلال : التشكيك في العناصر الرمزية التي توجه التفاعل الاجتماعي بقيم الأسرة والتعليم والاقتصاد كالأمانة والجودة والصدق والحق والعدل والخير، و تغيير الأشكال المعنوية والمعيارية التي تتولى ضبط التفاعل لتتحول إلى تقاليد وأعراف ومعايير منبوذة بما يضمن عدم وجود قواعد للتفاعلات والسلوكيات، و اختفاء الضمير الفردي الذي يوجه السلوك من الداخل .
و لعبت عناصر الهدم على إضعاف بنية ثقافة المجتمع المصري وفقد تماسكها وقوتها ، وامتد إلى تقليص دور ودعم المؤسسات الثقافية، وخلل مؤسسات التعليم، والتهاون في تغذية الثقافة، ونمو الثقافات العشوائية، وتأسيس ثقافة الانتهازية، والفوضى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ودعم حدة النزعات المتطرفة والعنيفة (في الدين والأمن والبلطجة)، واستشراء الفقر، وخلخلة ثقافة المجتمع بالقيم الانتهازية والنفعية وفوضى الوصولية، وانتشار ثقافة الفساد والرشوة والانحراف الأخلاقي، والتهميش وعدم الانتماء .
و حتى نسترد ونستدعى قيم المجتمع - بسرعة عالية - لابد من وجود ما يسمى بــــ " رواد القيم " فى المدرسة ، والأسرة ، ومراكز التعليم ، ومراكز الشباب ، ودور الثقافة ، ، و حشد الإعلام بكافة أنواعه، والجمعيات الأهلية بكل أدواتها، و الثقافة بكافة إمكاناتها، و التعليم في كل مراحله، ودور العبادة المسجد والكنيسة وذلك بالتوازى مع تفعيل المقاربات القانونية حتى لا نعود لزمن "السيبة " .. بذلك يسترد المجتمع قوته وقدرته فى وقت قصير وبكفاءة .