الصمود النفسى ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية
الثلاثاء 21/يناير/2020 - 10:24 ص
يرتبط مفهوم الصمود النفسى من وجهة نظر علم النفس الإيجابي بعدة مفاهيم أساسية تعكس مكامن القوة والضعف في الشخصية الإنسانية ، ويشير مفهوم الصمود النفسي إلى حالة الثبات والهدوء التى يتمتع بها الفرد عندما يتعرض لضغوط أو مواقف عصيبة، أو كارثة شخصية أو مجتمعية , وقدرته على التوافق والتوازن فى مواجهة هذه الضغوط وتلك المواقف والأزمات ، وسرعة التعافي من أثارها، والعودة إلى حالته الطبيعية، واتخاذ من الموقف الصعب حافزًا لتقوية الذات وتحصينها ضد الضغوط والمواقف الصعبة مستقبلاً ، بل واعتباره نقطة انطلاق لتحقيق الأهداف والبعد عن الفشل والانهيار.
ويتشابه مفهوم الصمود النفسى فى علم النفس مع ما يحدث فى عالم البناء والتشيد حيث تستعيد المواد فى عالم البناء خواصها بعد التعرض للطرق أو التمدد أو الأنكماش وغيرها من المؤثرات الخارجية، وهو نفس المعنى الذى يحمله الصمود النفسي إذ يعنى القدره على استعادة الفرد لتوازنه بعد التعرض للمحن والصعاب، بل وقد يوظف هذه المحن والصعاب لتحقيق النمو والتكامل، وبالتالى هو مفهوم يحمل فى معناه الثبات، كما يحمل أيضًا الحركة والديناميكية ، ويمكن توظيفه ليتجاوز المسمى إلى المضمون، وذلك بتحليله ؛ حيث يشير كل حرف من حروفه إلى عملية معينة؛ فحرف "ص" يعنى الصلابة ومقاومة الإنكسار ، وحرف "م" يعنى المرونة والقدرة على تعديل المسار ، أما حرف "و" فيعنى الوقاية الداخلية والخارجية ، بينما حرف "د" فيعنى الدافعية والمثابرة.(أسماء عبد الرحمن)
وقد ظهرت دراسات الصمود النفسي قبل خمسين عاماً تقريبًا ، ولكن مع التقدم التكنولوجى وتتابع الثورات العلمية والمعلوماتية والاليكترونية من ناحية ، وانتشار حروب الجيل الرابع والخامس وانهيار دول وتفكك أمم من ناحية أخرى ، زادت المشكلات النفسية والعصبية بسبب إحساس كثير من الشباب بضبابية المستقبل والشعور بالضياع، وفى بعض الأحيان الإنهيار، ومن ثم اتسعت وانتشرت هذه الدراسات فى العقدين الأخيرين، بهدف التعرف على عوامل الخطر وعوامل الحماية وتوظيف هذة المعرفة فى التدخل الإكلينيكى لحماية أبناء المجتمع بصفة عامة والمعرضين للخطر بصفة خاصة.
وهناك عدة أمور يمكن أن تساعد على تحقيق الصمود النفسى للفرد والمجتمع، تشمل:
- تفاعل الفرد مع المواقف والأحداث: معرفيًا (تفاؤل، ونظرة إيجابية للأحداث)، ووجدانيًا (الرضا عن الذات، والشعور بالسلام الداخلى، والطمأنينة، والهدوء النفسي)، وسلوكيًا (، تفاعل إيجابى مع البيئة المحيطة، وردود أفعال إيجابية تجاه المجتمع).
- توافر بيئة أسرية متماسكه تؤدى وظيفتها النفسية والاجتماعية
-وجود معايير وعادات اجتماعية تؤكد العدالة الاجتماعية.
- وجود ثقافة تنمى القيم الأخلاقية والجمالية بأسلوب متزن.
وبناء على تفاعل هذه العوامل مجتمعة مع بعضها البعض، فإن الصمود النفسى يمثل منتج لمحصلة من الجوانب الإيجابية عند الفرد والبيئة المحيطة ، وليس سمة يتسم بها فرد عن آخر ، ويقاس الصمود بما يحققه الفرد من نواتج إيجابية مصاحبة أو لاحقه للتعرض للمحن أو الصعوبات .
وفى ضوء ما يواجه الوطن فى الوقت الراهن من توترات ومؤامرات ومخاطر وتهديات ، تتضح الحاجة الماسة والضرورية إلى الأخذ باسترتيجيات الصمود النفسي، لتحصين أنفسنا ضد الضغوط، والأفكار، والشائعات، المثيرة للقلق والتوترات، والمروجة للفكر المتطرف ، والإرهاب ، والتلوث الأخلاقى ، ولكى يتحقق ذلك لابد من أن نبنى البيئة الصحية التى تساعد على تبنى الصمود النفسي فى مواجهة الصعاب والمحن، من خلال وضع نماذج تطبيقيه تقدم فى مدارسنا وجامعاتنا، تنمى المعتقدات الإيجابية والمهارات والقدرات لدى الشباب للتعامل بكفاءة مع الضغوط والتوترات ومواجهة التحديات اليومية، والتعافى من الصدمات والمحن والصعاب التى يعانى منها الوطن بسبب التلوث الفكرى والأخلاقى الذى شاهدناه فى الأعوام الماضية ومازالت انعكاساته باقية.
ومن هذا المنطلق فإن مؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدنى، يجب أن تتحرك لوضع أهداف واضحة وواقعية للتغلب على المشكلات التى تواجه النشء، وتنمية مهارات التواصل الإيجابى مع نفسه ، وتقدير ذاته وإمكاناته، والتواصل مع الآخر بإيجابيه ، واحترامه ، وتنمية مهارات التفكير البناء ، وحل المشكلات بأسلوب علمى ، والتعامل مع الأزمات، وإدارة الصراع ، مع تنمية الحس الأخلاقى والفنى من خلال الموسيقى والفنون للسمو بالنفس وبالأخلاق معاً، وهذا ما أتمناه لشباب الوطن فى المرحلة الحالية، وأنتظر تحقيقه لبناء الصمود النفسي فى مواجهة الهجمات الشرسة لحروب الجيلين الرابع والخامس الموجهة ضد كل أبناء الوطن أفرادًا وجماعات.
بقلم أ.د الهلالى الشربينى الهلالى
أستاذ تخطيط التعليم بجامعة المنصورة
وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق