الصحافة السعودية والمسؤولية الأجتماعية
صحافتنا منذ نشأتها وحتى اليوم وهي تقف جنباً الى جنب مع المؤسسات التربوية والاجتماعية في سبيل تماسك المجتمع وتكافله والرقي به نحو التطور والنمو.
ولعل الشريان الرئيسي لتحقيق التنمية هو
الأمن والاستقرار، لذا وعى المسؤولون والعاملون في وسائل الاعلام هذه الأهمية فحرصوا
على بث الثقة والمحبة بين أفراد المجتمع وشجعوا روح التآلف والتكامل بين فئاته ومؤسساته
مسترشدين في هذه بخطوط عريضة لأنظمة المؤسسات والمطبوعات والسياسة الاعلامية للمملكة
العربية السعودية، ومدفوعين بشعور ذاتي بالمسؤولية نابع من تعاليم دينهم الإسلامي والإخلاص
لوطنهم وأمتهم، وبفضل الله عز وجل ثم بفضل الجهود المخلصة من رجال الأمن وتعاون مؤسسات
المجتمع الأخرى وعلى رأسها الصحافة ساد الأمن في البلاد، وحفظت وللّه الحمد حقوق العباد
وأصبح الانسان مواطناً ومقيماً يجوب الوطن من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه لا يخاف
إلا الله والذئب على غنمه، وهل استطاعت الدول العظمى بإمكاناتها التقنية ومقدراتها
التدريبية وأجهزتها الحديثة في الكشف عن الجريمة ان تحقق ما حققته المملكة وما يحق
لنا أن نفخر به من أنه «لا توجد قضية واحدة سجلت ضد مجهول».
وفي الآونة الأخيرة برزت في الصحافة السعودية
ملاحظتان بسيطتان لهما تأثير على أمن المجتمع وتماسكه وهما:
1 نشر أخبار الحوادث والكوارث وبعض التصرفات
الفردية الشاذة والإجرامية، ولا يوجد وظيفة من وظائف وسائل الاعلام بالإمكان ان تدرج
تحتها مثل هذه الأخبار غير وظيفة التسلية والترفيه، فهي ليست أخبارا مهمة فتكون من
وظيفة الخبر ولم تصغ باسلوب توعوي فتكون تعليمية . والتسلية والترفيه عبر هذه الأخبار
لا ترضي إلا فئة قليلة من أفراد المجتمع ولا يقبل عليها إلا نوعية معينة من الناس،
وهذه الأخبار وإن حققت لهم التسلية والترفيه إلا انها تنعكس عليهم بشكل سلبي وتؤثر
عليهم نفسياً وسلوكياً، كما تؤثر على تفاعلهم مع الآخرين وبالتالي على المجتمع بأكمله.
2 كفاءة الصحفي الذي يناقش القضايا الأمنية
مع كبار المسؤولين ويجري اللقاءات معهم وحيث نجد بعضهم يطرح أسئلة كثيرة يستحوذ فيها
على الوقت ويأخذ فرصة زملائه الصحفيين، وكثير من هذه الأسئلة ليس لها علاقة بالمناسبة
التي حضر لها المسؤول بل إننا نجد اصراراً غريباً على طرح قضايا قد نسيها المجتمع،
وحوادث لا تشغل الرأي العام، ولعل أبرز مثال على ذلك التفجيرات التي حصلت في مدينة
الرياض والأسئلة المتكررة عنها في كل لقاء وفي كل مناسبة، وبالرغم من ان المسؤولين
يعلنون عن مثل هذه الحوادث ويعقدون لها مؤتمرات صحفية في حينها من أجل بيان الحقائق
والواقع الا ان هذا الإصرار من أولئك الصحفيين يضخم من الحدث ويلفت الأنظار اليه بل
ان هناك من الجمهور سواء كان محلياً او خارجياً من يعتقد ان للحدث أبعاداً اضافية لا
يعرفها الا هؤلاء الصحفيين.
وفي زيارة وزير الدفاع الامريكي السابق
السيد كوهين الأخيرة للمملكة كانت أغلب اسئلة الصحفيين السعوديين موجهة الى سمو الأمير
سلطان ولم توجه الى الضيف وكانت تلك الأسئلة ليس لها علاقة بالمناسبة وتستفسر عن حوادث
بسيطة حدثت قبل أسابيع او أشهر لطائرة في الجنوب او في القصيم او في حفر الباطن. ورغم
انه اعلن عن هذه الحوادث في حينها، ورغم سهولة الاتصال بين الصحفيين والمسؤولين وكثرة
اللقاءات والمناسبات التي تجمعهم الا ان مثل هذه الأسئلة تعطي انطباعاً عكسياً للضيف
وللصحفيين الأجانب.
ولعل هناك من يبرر لنشر مثل هذه الأخبار
والحوادث او لطرح مثل هذه الأسئلة بحرية الصحافة والنشر وبكسب السبق الصحفي لتحقق للصحيفة
الريادة والانتشار ولكنني أقول:
1 لقد تخلى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة
عن نظرية الحرية المطلقة لوسائل الإعلام إلى نظرية أخرى هي نظرية المسؤولية الاجتماعية
وذلك لعدم صلاحية نظرية الحرية وخطرها على المجتمع وعلى الأمن القومي، ونظرية المسؤولية
الاجتماعية ترتكز على ان الدستور يكفل حرية وسائل الاعلام ما دامت ملتزمة بمهام جوهرية
تجاه المجتمع أما اذا قصرت فان هيئات اخرى، ومنها الحكومية يجب ان تجعلها ترتفع الى
مستوى مسؤوليتها.
2 ان الدول المعادية تعتمد على تحليل مضمون
وسائل إعلام الدول المستهدفة لبث سمومها ودعايتها ضدها، فجميع القضايا التي تطرحها
وسائل الإعلام السعودية يتلقفها أعداؤها ويزيدون ويكذبون ويحورون لتشويه صورة المملكة.
3 دولتنا دولة نامية تسعى لتقوية اقتصادها
وتطويره وترغّب الاستثمار الأجنبي وتسعى لجذبه، والأمن والاستقرار من أهم عوامل جذب
المستثمرين وتشجيع التعاون الاقتصادي، ووسائل الاعلام وعلى رأسها الصحافة هي التي تعكس
هذه الصورة وهي مرآة المجتمع وعلى وسائل الاعلام يعتمد المحققون الإعلاميون والتجاريون
في السفارات الأجنبية لاعداد تقاريرهم عن مستقبل المملكة ونموها الاقتصادي ليزودوا
دولهم وشركاتهم.
4 ان المجتمع السعودي يتميز عن الغرب كونه
مسلماً يقوم على خاصية التعاون والتكامل بين أفراده ومؤسساته ولن تحقق هذه الخاصية
الا ببث روح الثقة بين الناس، وطرح مثل هذه القضايا في صحافتنا يثير الشك والريبة في
الآخرين، فيصاب المجتمع بالوهن في علاقاته وتنعدم فيه روح المحبة والألفة وتسود فيه
النظرة الفردية القائمة على الأنانية والمصلحة الشخصية.
* الدكتور مسفر بن عبدالله البشر
المدير التنفيذي لجائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية
للسنة
النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة