السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
ثقافة وفن

"فيدرا.. امرأة فى ملتقى الحضارات".. إبداع جديد وخطاب نسوى معاصر

الإثنين 29/يوليو/2019 - 12:15 ص
السبورة

فى الأسطورة الإغريقية كانت أفروديت ربة العشق فى صراع مع أرتميس ربة العفاف، أحياناً يصبح الصراع شرساً عنيفاً ، وأحياناً يكون خفيف الظل كنوع من كيد النساء بعضهن لبعض ، لكن هذا النوع من الهزار، يصبح ثقيلاً ومأساوياً بالنسبة للبشر، فالبشر هم ضحايا الربات وعبثهن الذى لاينتهى،. 

هكذا تقول أفروديت لأرتميس: سأوقع الحب فى قلبك فيدرا ولنرى ما ستفعلين، فترد أرتميس: سأوقع العفاف فى نفس هيبوليت كيداً لك، هكذا تقع فيدرا فى غرام هيبوليت ابن زوجها ، وعندما يرفض هيبوليت إغواء فيدراً تشنق نفسها، وتترك رسالة إلى زوجها تدعى فيها أنها تعرضت للاغتصاب من هيبوليت، وأنها قتلت نفسها محواً للعار، يغضب الأب ويدعو أبسيدون إله البحر أن ينتقم له من ابنه، هكذا يدبر أبسيدون حادثاً فيقتل هيبوليت ، عندئذ فقط تظهر أرتميس ـ بعد فوات الأوان كالعادة ـ لتخبر الأب أن ابنه كان عفيفاً بريئاً، فالأمر كلة مجرد مكيدة من أفروديت.

لكن هزل الآلهة الإغريق يصبح جداً عند العلماء والباحثين عن تفسيرات للأشياء الغامضة فى سلوك الإنسان، فحكاية هيبوليت وفيدرا تفسر فى مستويات رمزية مختلفة ، على أنها صراع بين المقدس والمدنس عند علماء الأنثربولجى، أو بين العاطفة والواجب عند علماء الاجتماع ، أو بين الأنا والأنا الأعلى كما فسرها فرويد الذى أفاد من أسطورة أوديب ـ أيضاً ـ فوضع منهجاً للتحليل النفسى يفسر به السلوك الإنسانى على أساس غريزى.

يعنى هذا، أن كثيرأ من العلوم الحديثة مازالت منغمسة فى تفسيرات أسطورية وكأن المسافة بيننا وبين زمن الأساطير كانت مجرد خطوة صغيرة فى تطور البشرية وفهم الإنسان لذاته، يحدث هذا بالنسبة للعلم ، فما بالك بالفن والأدب وهما ـ أصلاً ـ مخلوقان أسطوريان حتى يمكنك ـ إذا كنت خبيراً بالأساطير ـ أن تشم رائحتها فى كل عمل درامى تقريباً.

الباحثة رندا رزق، راحت تبحث فى كتابها ( فيدرا.. امرأءة فى ملتقى الحضارات) عن تأثيرات أسطورة فيدرا ـ وحدها ـ فى بعض الأعمال الدرامية فوجدتها أكبر مما نظن ، ولكنها توقفت عند سبع نماذج صريحة ، أربعة منها عند يوربيدس وراسين وبنيانتى ويوجين أونل ، وثلاثة عند كتّاب عرب هم : على أحمد باكثير وتوفيق الحكيم وعزيز أباظة .

اتفق الجميع على أن فيدرا تمثل صورة الحب المحرم ، ولكنهم اختلفوا فى تفسيراتهم للدوافع وراء سلوك فيدرا، يوربيدس الأغريقى أخذ بفكرة مكيدة الربات فالدافع إذن نوع من القدر الذى لاحيلة لفيدرا إلى دفعه ومن ثم أظهر كل من فيدرا وهيبوليت كضحايا، أما راسين المسيحى الذى يمثل الكلاسيكية الجديدة ، فقد صدق على فكرة السبب الميتافيزيقى، لكنها مكيدة الشيطان تلك التى أوقعت بفيدرا فى الخطيئة ، ومن ثم ظهرت نموذجاً للشر الخالص وكأنها سالومى ، فيما ظهر هيبوليت ورعاً متدينا وكأنه يوحنا المعمدان، أما بنيانتى فالتقط فكرة كيد النساء وحولها إلى سياق شعبى وكأن ماحدث ليس سوى غيرة نسوية حمقاء يدفع ثمنها الرجال ، أما يوجين أونيل فقد عزى سلوك فيدرا إلى نوع من الانحطاط الأخلاقى الذى أصاب أوربا بعد الحرب الأولى كنتيجة لتدنى مستوى المعيشة، لهذا فإن الفساد له أسباب اقتصادية .

فى 1945 كتب باكثير مسرحية الفرعون الموعود، ولفت الانتباه إلى الجذور الفرعونية فى أسطورة فيدرا ، حيث وجدها فى قصة الأخوين ( أنوب وباتو ) وهى نفس القصة التى مازالت تغنى فى المواويل الشعبية فى مصر حتى الآن ، عن أخ أكبر طيب يربى أخية الصغير ، لكن زوجة الأخ الكبير تغويه فيعرض عنها ، ومن ثم تكيد له عند زوجها فيقتل الأخ أخيه ، ويلمح باكثير إلى تشابه القصة الفرعونية مع قصة يوسف عليه السلام ، ويتشابه ـ مع الفارق طبعاً ـ فى التفسير الدينى عند راسين ، فينهى روايته بالآية الكريمة ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) .

أما عزيز أباظة فكتب مسرحيته 1968 ، سماها زهرة لتكون على وزن ( فيدرة ) كما يخبرنا ، ثم أنه كتبها شعراً مثل راسين ، فقدم نوعاً من التمصير للشخصيات وغير فيها، فجعل العلاقة تقوم بين الأم وخطيب ابنتها ، مبرراً ذلك بأن زهرة هى فيدرا القرن العشرين ، مجرد امرأة تعيش أزمة منتصف العمر ، وتحاول أن تستعيد شبابها فتقع فى غرام الشاب خطيب ابنتها، وهذا التفسير يوعز بأن دافع الغواية عند زهرة نوع من الاهتزاز النفسى والضعف الإنسانى ، لهذا هو لايصل باالعلاقة إلى منحنى الخطيئة المباشرة .

وقبل عزيز أباظة، وفى 1948 ، كتب توفيق الحكيم مسرحية اللص من وحى فيدرا أيضاً، ولكنه جعل الخطيئة ـ هذه المرة ـ متساوية بين الرجل والمرأة ، ليس إيمانا منه بالمساواة بين الرجل والمرأة ، فقط أراد التعبير عن شيوع الفساد السياسى والاجتماعى فى مصر داخل قصور الباشوات معارضاً فكرة الدافع الاقتصادى عند أونيل ، ومن ثم فالفساد الأخلاقى ليس قدراً ، ولا غواية شيطانية ، ولا ضعف نفسى وإنسانى ، لكن له أسباب سياسية واجتماعية ، وهكذا يكون الإنسان مسؤلاً مسؤلية كاملة عن أفعاله.

أما الباحثة رندا رزق فقد ألمحت إلى نوع الخطاب الذكورى فى الثقافة العالمية منذ الفراعنة مرورًا بالإغريق وحتى عزيز أباظة، وبهذه اللمحة أضفت الباحثة قيمة جديدة إلى بحثها عن صورة فيدرا ورأتها مجسدة لصورة المرأة عبر الحضارات المختلفة، ومن ثم اقتربت ببحثها من الخطاب النسوى المعاصر.