الضاكتور.. المُعَلِم والمِعَلِم.. تزوير في ألقاب رسمية
الإثنين 08/يوليو/2019 - 11:23 م
أصبحنا نعيش اليوم ونحاول أن نتعايش مع العديد من السخافات هنا وهناك، تلك التي أصبحت تشوه أصالة المجتمع المصري و تنتقص منها، ذلك المجتمع الذي كان يضرب للعالم أروع الأمثال..
فبعد ما عاش المصريون كالنسيج المتجانس من المهن والوظائف والحرف، التي ازدهى بها حاملوها وكانوا لا يستنكرونها، بل كانوا يفتخرون ويتفاخرون بمهنهم. عاش الحِرَفي جنباً إلى جنب مع أصحاب المهن الدقيقة وغيرهم من العلماء و المفكرين فكان لكلٍ منهم وظيفته و أدبياته، و دوره الذي يلعبه بحب وبراعة لخدم هذا الوطن..
والمتأمل في روايات أفلام ومسلسلات الزمن الجميل يجد لذلك ألف دليل وشاهد، بل إن شخصية "ابن البلد" تلك الشخصية التي حَلُم بها شباباً أصبحوا هم أنفسهم متخذى القرار الآن قد تجسدت كثيراً في المصريين من أصحاب الحرف والمهنيين وليس في أصحاب المهن الراقية من الموظفين والأطباء أو غيرهم..
لم يكن الخادم والسائس وماسح الأحذية يجد في نفسه غضاضة من ذكر مهنته والتفاخر بها طالما إنه يحسن صنعته ويجتهد في ذلك، حتى كانت ألقاب "الأُسطى" أو "المِعَلِم" ألقاباً لا تُمنح إلا للبارعين من الحرفيين المَهرة، وكان المجتمع لا يزدري "الصبي" وهو ذلك الحرفي في أي مرحلة عمرية، الذي ما زال في طور التدريب والتعليم، فليس كل سباك أو نقاش أو ميكانيكي أو صانع للسجاد أُسطى أو مِعَلم. وأبداً لم يكن الأُسطى بطامحٍ أبداً في أن يناديه البعض أو يُكنيه بالمهندس أو الضاكتور..
عاشوا البساطة هكذا فكانوا يعرفون كيف يستمتعون، وكانت شجرة واحدة من الياسمين كافية لأن يشم عبيرها حي بأكمله، فلم يكن هناك مكاناً للتفاخر الزائف أو الحقد و الحرق الذاتي للنفس، حيث كانت فلسفات دنياهم في الجد في العمل والانصياع للضوابط الأخلاقية والمجتمعية، وحب الوطن والمواطنين على كافة أطيافهم وألوانهم..
تُغلق هذه الصفحة وتنفتح علينا صفحة أخرى من كتاب المجتمع المصري، لكنها تختلف كثيراً عما كان، أصبحنا لا نشم روائح الورود حتى لو زرعنا حياً كاملاً، ولم يَعُد ينشغل المصريون إلا بمن حولهم، لم يعد يشغلهم كثيراً تجًويد العمل ومهارة الحرفة، فهو في الغالب يتحسر على عمره الذي قضاه في مهنته، أصبحنا نرى كثيراً هنا وهناك من يلقبون أنفسهم ب" الدكتور" وربما نسوا أنهم من الحرفيين أو من حاملي الدبلومات أو المعاهد الفنية، تلك التي لا نقلل من دورها إن أحسن خريجوها التدريب والعمل بها..
وللقارئ أن يجرب البحث بكلمة الدكتور على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ليكون ضمن نتائج بحثه سباكاً وصانع للأحذية مثلاً، وقد يجد في صفحات أخرى أشخاصاً حلموا في منامهم بأنهم يحملون هذا اللقب، أو آخرين وجدوا أنهم من الممكن أن يحترفوا التدريس أو التدريب وأن سابقة "دكتور" لأسمائهم هي بمثابة تسويق للسبوبة، وعلى جانب آخر أشخاصاً قد قرروا أن يلتحقوا بالدراسات العليا في العام المقبل إن قدر الله..
وحتى نعيش مصريتنا ننادي ونقول: يا كل مصري لك بمصريتك أن تفخر، لستَ بحاجة لسرقة ألقاباً لَسْت من حامليها، فقط اهتم بنفسك، طور من قدراتك، ارفع من شأنك باكتساب خبرات ومهارات في مجال تخصصك، تعَلَم يقيناً أن لمهنتك قيمة، وأن المجتمع لا يستقيم بدون مهنتك فسارع بتجويدها. يا كل مصري؛ مصر تحبك فأحبها..