وراء الألقاب تكمن الأخطار.. والجامعة ليست ببعيد
لا شك إن ما نعيشه من مشكلات في مصر في عصرنا الحالي هو نتيجة لأزمة أخلاق عملاقة تتناثر مظاهرها هنا وهناك، فالكل يجزم بأن هناك انخفاضاً ملحوظاً في مستويات جودة الحياة والراحة، و يرجعها البعض لما نحياه من أزمة اقتصادية وانخفاض في مستوى دخول معظمنا.
إلا أن المتعمق في دراسة تطور المجتمع المصري
من كل جوانبه يجد تبايناً غريباً، فمع تلك الدخول شديدة الانخفاض و تدني مستويات الخدمة
الطبية و الترفيهية التي عاشها المصريون على كافة أطيافهم حتى أواسط القرن العشرين،
نجد حالة واضحة من البهجة وجودة الحياة سطرتها أقلام الأدباء و أذاعتها أبواق و شاشات
سينمات الزمن الجميل. كانوا يتكففون العيش بتلك الأدوات البسيطة، بعيداً عن رفاهيات
التكنولوجيا، فكيف كانت الحياة جميلة مع تلك المشكلات و الأزمات.
وبالرغم إن مجلس قيادة ثورة ١٩٥٢ قد أصدر
قرارًا بإلغاء جميع الألقاب الرسمية المدنية والاكتفاء بلقب واحد في كافة المكاتبات
الرسمية هو (لقب حضرة المحترم) حيث كان السلطان حسين كامل (حاكم مصر من 1915 إلى
1917) قد أصدر فرمانا في العام 1915 بمنح الألقاب المدنية كالباشا والبيه وغيرها، فقد
حرصت الثورة على إلغائها
باعتبار أنها كانت تعطي لصاحبها نفوذا وسلطة
داخل أجهزة الدولة و أن الثورة جاءت لتعيد للمصري كرامته، مع الاحتفاظ بالألقاب العسكرية
باعتبارها من صميم هيكل المؤسسات العسكرية و أنها لا تعكس أي تفاوت طبقي بين أبناء
المجتمع.
ومنذ 1975 مع بدايات عصر الانفتاح الاقتصادي
شهد المجتمع المصري عودة تلك الألقاب مرة أخرى بشكل غير رسمي، فاستأثرت بعض الفئات
على ألقاب الباشوية والبكوية، وأصبحت تلك الألقاب بلا صاحب، فبعد أن كانت معايير منح
الألقاب واضحة وقت صدور فرمان السلطان حسين، ثم تدهور الأمر لتُباع الألقاب و تُشترى
قبيل ثورة ١٩٥٢، صارت تلك الألقاب بلا معايير في عصرنا الحالي. و الأمر الأسوء هو احتفاظ
حاملي تلك الألقاب حالياً بمزايا ارتفاع الدخول و النفوذ و السلطة كحامليها قبل الثورة.
ومن منظور اجتماعي، فإن المجتمع المصري
بيئة خصبة لمثل هذه التعديات، فهو يقبلها و يستوعبها في كافة مؤسسات الدولة بلا استثناء.
والجامعة ليست ببعيد، ومشكلاتها تنبع غالباً
من تلك الظاهرة، فالناظر لمشكلات الشرفاء من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية
يتعجب، فكيف لصانعي القرار و أعضاء المجالس الوزارية والنيابية من أعضاء هيئات التدريس
بالجامعات المصرية أن يغفلوا و يتناسوا ما يعشه زملاؤهم من مشكلات الدخول المتدنية،
في ظل مهام عمل تقتضي تكاليف باهظة من بحث ونشر علمي و مقتضيات سفر وملبس يليق بتلك
الفئة، التي يفترض أنها من الصفوة. و السبب يكمن في الأثرة و خصائص البشوية، ذلك الحلم
الدفين، الذي أصبح يعيشه معظمهم، فنسوا مؤسساتهم الأصلية، و أنشغلوا بما سوف يحصلوا
عليه بعد منصب " معالي الباشا".
· كاتب المقال
د هانى ابوالعلا
أستاذ جغرافية العمران ونظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم