التوك توكيزم...
الثلاثاء 29/يناير/2019 - 05:47 م
التوكتوك أو الباجاج أو الستوتة (تسمية عراقية) والجمع تكاتك، هو مركبةٌ ناريةٌ ذات ثلاتِ عجلاتٍ، تُستخدمُ غالبًا كوسيلةٍ للانتقالِ بالأجرةِ؛ وينتشرُ التوكتوك بكثرةٍ في أسيا وفي البلادِ العربيةِ وخصوصًا في مصر والسودان. ويتسعُ التوكتوك لراكبين بالمقعدِ الخلفي (أو ثلاثة محشورين بجانب بعض) بالإضافة الى السائقِ الذي يجلسُ في المقدمةِ. هناك من يقولُ أن توك توك هو صوتُ الماكينة. هذا ما وجدتَه على الإنترنت عن كلمةِ توك توك. تستحقُ الالتفاتَ قصةُ كفاحِ التوك توك في مصر، منذ ظهرَ من سنواتٍ خجِلًا في بعض الأحياءِ الشعبيةِ والأزقةِ حتى وصلَ ماشاءَ الله إلى الأحياءِ المُصنفةِ راقيةً..
التوك توكيزم كلمةٌ من عندي، تتناسبُ مع اِنتشارِ التوك توك وتوغلِه، أعني بها أسلوبًا أو نهجًا، وهي على نَسَقِ كلمةِ ميكانيزم الإنجليزية mechanism، ولعلنا نتذكرُ المدبوليزم التي كان يوصفُ بها نهجُ أو مدرسةُ الفنانِ الكبيرِ الراحلِ عبد المنعم مدبولي في الكوميديا..
التوك توكيزم هو أسلوبٌ ونهجٌ لتمريرِ المخالفةِ والاعتيادِ عليها، من جانبِ المُخالفِ والدولةِ على حدٍ سواءِ. المُخالفُ هو في الأغلبِ المواطنُ، غنيًا كان أو فقيرًا، الذي ينتهكُ القانونَ، ويبتكرُ مخالفةً سواء كانت باستيراد التوك توك ثم بيعِه بتسهيلاتٍ، بالبناءِ في الممنوعِ أو بتجاوزِ الارتفاعَ المسموحَ، بإقامةِ مقهى، عربةِ مأكولاتٍ، كشك. المهم أن تبدأَ المخالفةُ ثم تُكرسُ وجودَها أمرًا واقعًا اِستقرَ بطولِ تغاضى جهاتِ الدولةِ الرقابيةِ والتنفيذيةِ كالأحياءِ..
التوك توكيزم يقومُ على طرفين، مواطن ودولة، تآلفا على المخالفةِ وتَصالحا عليها. مجلسُ الشعبِ يبحثُ تقنينَ مخالفاتِ البناءِ، وعرباتِ المأكولاتِ، وترخيصَ التوك توك. سلطاتُ الدولةِ اعترَفت بالمخالفاتِ ووافقَت عليها، لأنها لم تتمكنْ من إيقافِها أو تردَدَت في منعِها وهي في بداياتِها، فانتشرَت وتغلغَلَت بقوةِ الأمرِ الواقعِ خارجةً عن السيطرةِ..
غزوةُ التوك توك يقودُها أطفالٌ، في الحي العاشرِ من مدينةِ نصر، في المطريةِ، في شبرا، في طنطا، في سوهاج، في البحيرة والصعيد. مثالٌ صارخٌ لكيف أصبحَ التوك توكيزم رمزًا للحياةِ في مصر.. النظرةُ للتوك توك بعد أن كانت مُستغرِبةً غاضبةً، أصبحت مصحوبةً بابتسامةٍ مُتناسيةٍ مُتصالحةٍ.
تمريرُ لوائحٍ وتطبيقِها بدون استيفاءِ حقِها من الإجراءاتِ هو التوك توكيزم بعينِه. المخالفاتُ أصبَحت ركنًا أساسيًا في حياتِنا، اعتادناها بقوةِ التوك توكيزم.. كلما قَوى التوك توكيزم، وهو ما نراه، كلما ضَعُفَت سلطةُ الدولةُ، وهو ما لا نَرضاه ...
اللهم اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ..
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس