الغش بالموبايل في الامتحانات.."عفواً لقد نفذ رصيدكم "
نعيش في عصر التكنولوجيا الرقمية، التي أصبح لا غنى عنها لكثرة ما توفره من خدمات تسهم بشكل أو بآخر في توفير الوقت والجهد في العناصر الحياتية، إلا أن مخلفات تلك التكنولوجيات تأبى إلا أن تداهمنا شيئاً فشيئاً، "بقدر الغُنم يكون الغُرم".
ولا شك أن تكنولوجيات الهواتف المحمولة
في تطور مستمر، فمنذ أن حصل مارتن كوبر المهندس الأمريكي على براءة اختراع لأول هاتف
لاسلكي في عام ١٩٧٢ و الهاتف المحمول يشهد قفزات تقنية واضحة لتطور الخصائص الفنية
لتلك الأجهزة، من ثم تتطور معها مستويات الخدمات التي تقدمها. ليصبح الهاتف المحمول
جزءاً هاماً من الحياة اليومية، يُلجأ إليه في معظم مناحيها. ومع ارتفاع قدرات الهواتف
المحمولة ومساحاتها التخزينية من ناحية و اكتظاظ الشبكة العنكبوتية (الانترنت) بشتى
فروع العلم والمعرفة من نواحٍ أخرى، فقد أصبح الهاتف المحمول قادراً على أداء مهاماً
لم تكن منذ قبل.
ولم يكن بمُستغرب أن يتم ضبط عدد ليس بقليل
من حالات الغش في الامتحانات باستخدام حيلاً مبتكرة اعتماداً على أجهزة الموبايل في
مراحل التعليم المختلفة.
وتأتي المشكلة! ففي حين أن الضرورة تستوجب على الطلاب اصطحاب هواتفهم المحمولة لمكان اللجان الامتحانية
لطمئنة أهليهم وذويهم، خصوصاً في ظل بعض حالات الخطف والعنف المستحدثة على المجتمع
المصري، في المقابل تأتي ضرورة منع دخول الهاتف المحمول للجان الامتحان لمنع حالات
الغش والسيطرة عليها.
والمشكلة التي قد تبدو بسيطة من حيث الشكل
انما هي معقدة الجوانب، وتحتاج لتدافر الهمم والجهود للوصول لحلٍ ناجز لها. فهل يكمن
الحل في منع اصطحاب الطلاب للهاتف المحمول داخل اللجان بما يعقبه من حالات سرقة الهواتف
التي قد يتركها بعض الطلاب على ابواب اللجان؟ أو أن يترك الطالب المحمول في بيته من
الاساس لتظهر حالة متصاعدة من القلق لدى أولياء الأمور على أبنائهم؟ أو هل نحتاج لحافظات
مبتكرة توضع أمام اللجان توفرها الهيئة التعليمية وتكون تحت سيطرتها، بحيث يضع فيها
الطالب هاتفه ويعاود تسلُمه بعد الفروغ من الامتحان، بما في ذلك من تكلفة في ظل الميزانيات
المتدنية للهيئات التعليمية؟! كلها حلول موضعية بمثابة المسكنات، أما الأمر فهو أعمق
بكثير.
فالاعتماد على وسيلة غش مبتكرة سواء أكان
المحمول أو غيره، من حِيَل و وسائل الغش ما هو إلا مؤشراً سلبياً لأحد أهم مراحل التعليم،
وهي التقييم، ويكون دالاً على ضعفها و مشيراً لخلل في النظام التعليمي ذاته، الذي يوجه
الطالب نحو هذه الحِيَل المقيتة.
وحتى يكون الأمر أقرب إلى ذهن القارئ، دعونا
نتخيل لو أن الامتحان قد تم تصميمه بصورة أمثر احترافية ليقيس عدداً كبيراً من المهارات
وليس اختباراً للذاكرة فقط كمعظم الامتحانات فهل سوف يلجأ الطالب للغش؟ هل لو وعى الطالب
بقيمة الوقت للتفكير والتحليل والابداع وغيرها من المهارات، هل يهدر وقتاً في محاولة
غش هو يعلم أنها مضيعة وقت؟ الاجابة بالطبع ستكون لا.
دعونا نفكر خارج الصندوق، الحل هو احترام
عقل الطالب وعدم اتباع النمطية في التلقين المُمل، بل الاتجاه للاساليب التعليمية الحديثة.
الحل يكون بالتقييم المستمر طوال العام من خلال امتحانات حقيقية تقيس كافة المهارات
وليس مهارة التذكر فقط. الحل يكمن فينا نحن واضعي السياسات التعليمية ومنفذيها، لابد
أن نتغير، أن نساير المُستجدات، فليس الحل أن نمنع الهاتف المحمول في لجان الامتحان،
حتى لا نسمع في يوم من الأيام رسالة صوتية بصوت عال، قد لا تكون وقتها من هاتف محمول
(عفواً لقد نفذ رصيدكم).
·
كاتب المقال
د.هاني أبو العلا
أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم: