أزمة القاهرة الجديدة..التخطيط والدراسات الجغرافية
لا شك إن المدن والأحياء الجديدة تُعد إحدى أهم سُبل مجابهة معدلات نمو السكان الجنونية في مصر، فنمو السكان غالباً يضع المخططين في موقف لا يُحسدون عليه في محاولة لاستيعاب الزيادة السكانية وتوفير القدر المناسب من السكن والخدمات والمرافق التي تستوعب العدد المُضاف يومياً من السكان. فتظهر المدن الجديدة والأحياء الطرفية كأنها المنقذ الوحيد أمام المخطط ويكون مُحقاً في ذلك لو أحسن التخطيط، فالمسئولية ليست فقط استيعاب الزيادة السكانية بل تتعداها لتوفير اماكن بديلة تكون على قدر مناسب من التميز.
و تبقى التساؤلات مطروحة؛ من الذي يخطط؟
وهل التخطيط عمل فردي؟ هل في المخططين من لديه الخبرة الكافية بطبيعة الأماكن والمواقع؟
هل يتم اعداد دراسات كافية للأخطار المتوقعة؟
وليس معنى أن القاهرة الجديدة تم انشاؤها
منذ ما يقرب من ٢٥ سنة ولم تعبث بها السيول أنها في منئى عن ذلك، فالدراسات الهيدرولوجية
تؤكد أن الجريان المائي في الأودية متباين الكمية، وقد تحدث عواصف متباعدة تصل فتراتها
التكرارية إلى ٥٠ او ربما ١٠٠ سنة تكون كمية التصريف فيها غير متوقعة، وهو مالا يمكن
ان تتحمله البالوعات او شبكات تصريف الامطار، التي خرج علينا بعض المسئولين بأن ظروف
الدولة الاقتصادية لا تتحمل انشائها.
والحقيقة العلمية التي لا ريب فيها تقول
إنه لا يمكن تبسيط الأمر وتشبيه ما حدث بالقاهرة الجديدة بما حدث بالاسكندرية منذ فترة،
فمن المعروف إن طبيعة سطح الأرض (التي يعرفها الجغرافيون جيداً) هي التي تتحكم في حجم
واتحاه جريان المياه وتحدد كميتها ومدى خطورتها و الأخطار والكوارث المتوقعة حال حدوث
سيول. فالنظام الطبيعي والمنظومة الايكولوجية هي التي لها السيادة في معظم الاحوال
ويكون على أي مخطط أن يحترمها بل ويقدسها. وحقيقة الأمر أن انشاء القاهرة الجديدة في
هذه البقعة في حوض تصريف مجموعة أودية ( الناصوري، الوطواط، الحلزوني) هو أمر يستدعي
الاستغراب، فإما أن نتركها معرضة لأخطار السيول المتوقعة من تلك الاودية مجتمعة (ماشاءت
الأودية أن تعبث) أو أن نصلي وندعو الله عز و جل ألا تغضب هذه الأودية مرة أخر، لا
أن نعلل بقلة الامكانيات الاقتصادية لمصرنا الحبيبة.
والأمر يسير جداً فعلماء الجغرافيا ونظم
المعلومات الجغرافية لهم علاقة وطيدة بسطح الأرض و حسن اختيار المواقع المناسبة لبناء
المدن الجديدة تماشياً مع النظام الايكولوجي. والمكتبات ذاخرة بالدراسات الجغرافية
الأصيلة في مثل هذه الموضوعات، فلماذا لا يُلجأ لعلماء الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية
أثناء التخطيط لإنشاء المدن الجديدة بما لا يضعنا في هذه المآزق مستقبلاً.
·
كاتب
المقال
دكتور هاني ابو العلا
استاذ مساعد جغرافيا العمران و نظم المعلومات
الجغرافية