الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

مواقف.. حطَت من قدر التعليم !!

الأحد 06/أغسطس/2017 - 11:40 م

ذهبت ذات يوم ، كي اُعطي درساً خصوصياً ، لتلميذة بالصف الخامس الابتدائي ، وعندما عقدت لها اختبار بسيط في مادة الإنجليزية .. وجدت نفسي مصدوماً ، من التلميذه التي لا تعرف عن الإنجليزية إلا القليل من حروفها، وحينها سألتها: " ماذا يعمل والدك؟، أجابتني: "والدي متقاعد من وظيفته الحكومية.. والآن يعمل سائقاً، وهو لا يعود للبيت إلا ليلاً"، فتنهدت بنبرة حزينة..

ثم سألتها ثانية "وهل تعمل والدتك؟!"، فقالت لي: "إن أمي تعمل بوزارة التعليم بالقاهرة وتسافر فجراً ولا تأتي إلا آخر النهار"، فسألتها مندهشاً: "وهل تتأخر والدتك لهذا الميقات حتى تعود من عملها كل يوم؟!"، فردت قائلة: "الحمد لله أننا نراها.. فهي أحياناً تخرج في مأموريات عمل، فتسافر إلى الصعيد، وتغيب لمُدَة تصل لأسبوعين!!، وحينها انعقد لساني عن أي تعليق، وأدركت سر الفشل الدراسي الذي لحق بهذه المسكينة التي لا يدخر أهل بيتها لها من وقتهم، ولو ساعة يومياً لمتابعة دراستها، ثم استأذنت وقمت منصرفاً حزيناً علي ذلك الإهمال الأُسري الكبير!!..

وفي إحدي المرات، كنت اُعلم طفلين توأمين بالصف الثالث الإبتدائي، من خلال حصة درس منزلي، وكانا هذين الطفلين يعانيان من تدني ذريع وضعف في تحصيل اللغة الإنجليزية، رغم جهودي الهائلة للارتقاء بهما.. وفي إحدى المرات، وجدت كلا الطفلين يمسكان بقلمين جديدين.. وأخبراني أنهما قد كُرِما اليوم في طابورالمدرسة الحكومية التي يتعلمان بها، لتفوقهما في اللغة الإنجليزية.. 

فتعجبت لهذا التفوق المفاجئ، واستحييت أن أسألهما، إذا كانا قد سلكا طريق الغش لنيل النجاح بإكتساح ، أم كيف كان السبيل لفلاحهما ونجاحهما ، حتي حققا ذلك التفوق المزعوم!!..

كنت أشاهد مدير مدرستي الإعدادية، وهو يحضر للمدرسة متنعلاً " الشبشب " بحجة أنه من ساكني الريف ، وكان دور سعادة المدير منحصراً في تشريفه للفصول ، إذا ما طُلِبَ لترهيب وتخويف الطلاب، من خلال نهره أو ضربُه - بعصاه – للمقصرين ، كان حضرة المربي الفاضل في معزلٍ تام عن العلوم والمعارف التي تحويها بطون الكتب وسطورها وصفحاتها، وكذلك كان فاقد القدرة علي مناقشة الطلاب في محتوي مناهجهم لجهله بخباياها، بسبب قدراته الثقافية المحدودة، وما اُوتي من تعليم متوسط ضيق الآفاق، لأن ما تعلمه ما كان يؤهله لأن يسأل أو يُسئل فيُجيب عن أي أسئلة أو موضوعات تخص المناهج المحشوة بالمعلومات .. 

ولذا فإن التدرج الوظيفي لهذا الرجل ، حتي صار مدير مدرسة ، لم يكن إلا خطأ جسيم وقرار أعمي من قِبَلْ وزارة التعليم، أن تمنح أصحاب الدبلومات الزراعية وشبيهاتها، درجة مدير عام بالتعليم.. وإن تنبه قطاع التعليم، بعد ذلك بعقود، لخطورة ترقي تلك الفئة محدودة التعليم ، لأي مناصب قيادية .. حتي خُصِصت فرص الترقي - فقط - لكل مُعلم جامعي ، يصلح لأن يكون قيادياً ورائداً وفدائياً يواجه المشكلات والصعاب ، بصبره وحنكته وحكمته..
  
ومثلما كان يتنعل مدير المدرسة " الشبشب " داخل مقر عمله، كنت أشاهد طلاباً يرتدون "الترنجات البيتية" داخل المدرسة، ومنهم طلاباً يدرسون بالثانوية العامة، حتى أن طالب بالمرحلة الإعدادية ذات مرة ، حضر لمدرسته ، مرتدياً الجلباب الأبيض ، بعدما وضع نصفه السفلي داخل البنطلون ، ليظهر وكأنه قميص ، ولاعجب من ذلك .. فنحن نشاهد معلمي مصر الذين يسكنون الأرياف يذهبون لمقار أعمالهم بمدارسهم ، مرتديين الجلباب ، بحجة أنهم في أجازة ، ولن يراهم طلابهم فيسخروا منهم أو ينتقصوا من قدرهم بسبب طبيعة ملابسهم ، ولعظيم الأسف أن هؤلاء المعلمون ليس لديهم دراية بضرورة إرتداء الزي الأفرنجي ، الذي يعتبر الزي الرسمي المعتاد ، داخل مدارس مصر سواء بالريف أو البندر!!..
   
وفي إحدى الحصص الإحتياطية، فوجئ مُعلم ما ، بأحد الطلاب يتناوله بالسخرية الجريئة أمام باقي الطلاب، ثم لم يهتم ذلك المُشاغب بتوبيخ وتحذير مُعلمه له بسبب إساءته في الأدب، ومع تمادي الطالب في حركاته الساخرة وتفوهه بالألفاظ التي تثير الغيظ ، اضطر المُعلم أن يعاقبه بالضرب، حفظاً لكرامته أمام الطلاب، أما الطالب المُعاقب فسارع بإخبار والده هاتفياً، بكل ما حدث، فحضر الأب ثائراً مسرعاً إلى مقر المدرسة التي يتعلم بها نجله، صارخاً في وجه ذلك المُعلم، ماسكاً بملابسه، محاولاً إهانته، مخاطباً له بأسلوب فظ..

ثم سأل ابنه بلهجة ساخرة، "وهل هذا معلم؟! إنه كذا كذا".. واصفاً المُعلم بالسُباب والشتائم، ثم أوقع باللوم على إبنه لعدم ضربه لهذا المعلم، الذي يراه ضعيفاً بلا حيلة، ويمكن مجازاته، أو فصله وطرده بتوصية من مالك المدرسة الخاصة التي يعمل بها!!..

إنها كارثة أن يتعود بعض الطلاب ، علي الإنقطاع عن الحضور المدرسي طوال الأسبوع ، ولا يحضروا للمدرسة إلا يوم حصة الألعاب فقط ، ليلعبوا ، أو يأخذهم الشوق للحضور في أيام تسليم التغذية المدرسية ، ليستلموها ، ثم يبيعوها للمدرسين بأبخس الأثمان..

ومعلم ما ينتمي لعائلة اسمها " الجحش " ، وذات مرة دخل زميلُه المُعلم ، علي الطلاب وسألهم مداعباً إياهم " هل تعرفون المعلم الوحيد بالمدرسة الذي له ذيل ؟!!" فضحكوا ساخرين وقالوا إنه الأستاذ فلان !! فهذا المعلم الذام في زميله ، المُضحك عليه تلامذته ، ليس من أهل الأدب في شيئ ، وهو أحوج من تلامذته لأن يتجرع من كئوس الأدب ...... ، كي يتأدب قبل أن يكون مُربياً..

ثم لا ينبغي أن ينبذ المعلم طُلابه بالألقاب ، أو أن ينبذ الطلاب معلميهم بشرْ الأسماء ومن المُعيب أن يقف مدير مدرسة ، أثناء الفسحة المدرسية ، في وسط  الفناء المدرسي، ساباً التلاميذ بحنجرته المدوية ، مناديهم بأسماء الحيوانات والجماد . ثم يقف نفس مدير المدرسة ، أثناء طابور الصباح ، وينادي بصوت مُزلزل وعينيه تملئهما الشرور ، علي أحد أطفال الابتدائية ، طالباً منه الخروج من الطابور والحضور إليه ، ثم الإمساك بالطفل ، وإشباعه ضرباً بكلتا يديه ، كنوع من العقاب  ، لخطأ ما ارتكبه ، أو لمشاجره طفوليه مع قرين له!!..

كلَا إن هذه السلوكيات ، ليست من أصول التربية ، ولو ظن أهل الخطأ - خطئاً منهم - أن تغليظ الحناجر، والقسوة وتقبيح اللسان هو أنسب الحلول لتقويم وتطوير التعليم.. خاب وخسر من آمن بذلك !!