متى يتفرغ المُعلم لمهنته؟!
الجمعة 16/سبتمبر/2016 - 11:42 ص
القانون عَيَّنَ المُعلم على وظيفة واحدة، بدرجة مالية واحدة، براتب واحد، تنتمي إلى مجموعة تخصصية مُستقلة ذات طبيعة خاصة؛ وهي مجموعة أعضاء هيئة التعليم، وبالتالي فشغل المعلم بوظيفة أخرى؛ بواجبات ومسئوليات أخرى؛ تنتمي إلى مجموعة نوعية أخرى؛ سواء كانت فنية أو هندسة مساعدة أو كتابية؛ غير جائز من الناحية القانونية، بل فيه جور وافتئات على نصوص القانون..
إنّ أولَ شيء يُصيب رسالة المُعلم في مقتل فيشوهها، بل ويمحو معالمها في مرحلة تالية؛ إلهاؤه المُتعمد أو غير المُتعمد عن اختصاصه الأصيل كمُعلم، بإسناد أعمال إضافية إليه بالتكليف بمعرفة إدارة المدرسة، كالعمل في وحدات المعلومات والإحصاء، أو تكليفه بأعمال مالية وإدارية لا تمت لاختصاصه بأي صلة، كأن يكون أمين عهدة أو أمين معمل أو مسئول أمن، أو مندوب مدرسة، وما يترتب على ذلك من إجراءات إدارية ومالية لا علاقة لها باختصاص المعلم، بل هي شواغل تؤدي حتمًا لتقصير المعلم في دوره الرئيس بالمدرسة، علمًا بأنه قد عُيِّنَ من قبل الدولة ليكون في الفصل الدراسي بين طلابه مربياً ومعلماً، وإن ما صدر من قرارات ونشرات هو ترجمة ذلك وأخص بالذكر بطاقات التوصيف الوظيفي الواردة باللائحة التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الوزراء رقم 428 لسنة 2013 للقانون 93 لسنة 2012 ؛ المُعَدِل للقانون 155 لسنة 2007، والصادر باعتمادها القرار الوزاري 164 لسنة 2016..
إنّ عدم احترام تخصص المُعلم هو عدم احترام للقانون ذاته، وللقرارات الوزارية المُنظمة، وللنشرات العامة، وفي ذلك زعزعة لثقة المُعلم بالقانون وبنفسه، و مدعاة إلى إهماله في تنمية ذاته في مجال تخصصه، و سبيل إلى تشتيت تركيزه وبعثرة مجهوده في أكثر من اتجاه، تحت دعاوى التعاون مع إدارة المدرسة في أعمال إدارية لها موظفين يخضعون لقانون مختلف، ولكن لأننا لا نقدر رسالة المعلم، ولأننا لا نحترم التخصص، ولأننا ندير بشكل عشوائي شمولي، ولأننا نؤثر ترتيب الأوراق ورصِّ المستندات لتلافي ملاحظات المتابعين والزوار، فقد ألقينا بالمعلم في هذه الدوامة التي جرت مستوى التعليم جرًا إلى الوراء، ولا أحد يتدخل رغم علم المسئولين بهذه المأساة..
أيها السادة، إنّ كل القرارات والنشرات العامة التي ترد بالتنبيه على مديري المدارس بعدم شغل المُعلم بغير واجباته المنوطة به، لا تصل، وإن وصلت لا تُنفذ، وإن نُفذت ففي أماكن دون الأخرى، ولا أحد يأبه بذاك الإنحدار المهني الذي أصاب كافة المعلمين، إثر إقحامهم في لجان، ووحدات، وأعمال مالية إدارية لا علاقة لها بمسئولياتهم وواجباتهم الوظيفة المقررة بنص القانون، ومديرو المدارس تخيلوا - على إثر ذلك - أنّ المدارس مجرد وحدات إدارية ومالية، وملفات، وأوراق، ذلك لأن من يتابعون لا يسألون عن مستوى مُعلم، ولا عن مستوى طالب، وإنما يسألون عن السجلات والأوراق، ويكتبون التقارير بناء عليها..
عيبٌ كبير أن تظل مدارسنا قابعة في هذا النفق الفكري المظلم؛ عيبٌ كبير أن تظل مدارسنا أسيرة لنظم إدارية بالية تجر التعليم جراً إلى الهاوية؛ عيبٌ كبير أن تظل مدارسنا مجرد دفتر حضور وانصراف؛ عيبٌ كبير أن تظل مدارسنا مجرد لوحات ووسائل؛ عيبٌ كبير أن تظل مدارسنا مجرد حبر يوضع في سجلات وأوراق؛ عيبٌ كبير أن يكون التعليم سجل مرقوم ومختوم.. لقد نسينا في زحمة الإداريات أن المدرسة موطن للتربية والتعليم وتنمية الوجدان وبناء الإنتماء والضمير، ونسينا أن ذلك لا يتحقق إلا بمعلم مُحصَّن بالعلم، ومحميٌ باحترام الجميع، وبطالب يريد أن يتعلم، وبإدارة عصرية تضع المدرسة على طريق أداء رسالتها الحقيقة على النحو المنشود، بخلق المناخ التربوي الملائم للمعلم والطالب على السواء..
يا سادة فعِّلوا القانون والقرارات والنشرات العامة، وأعيدوا للمعلم لاختصاصه، ولا تشغلوه بأعمال إدارية ومالية لها موظفيها والعجز فيها نتج عن سوء التوزيع؛ أعيدوا له كرامته وثقته بنفسه، فسوف تعود أشياء عظيمة إلى التعليم إن عاد المعلم إلى مكانه ومكانته..