الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

بيت الوطن...غلطة وندمان عليها

الأربعاء 26/يناير/2022 - 10:14 م

قبل 6 سنوات تقريباً، تلقيت اتصالاً من صديق أخبرني خلاله بأن الدولة خصصت للمغتربين في الخارج حصراً أراضي في أكثر من منطقة جديدة في مصر.

حقيقة كان عنوان المشروع الذي كشف عنه صديقي باسم «بيت الوطن» كفيلاً بلفت انتباهي، لدرجة التحول، لبلاغة فكرته الاستثمارية، وعمقها في زرع الأمل والأمان بداخلي كشاب أو هكذا ادعي، حتى إنني أنهيت الاتصال مع صديقي دون وعي، وأنا أردد هائماً بمستقبل المشروع «بيت الوطن… بيت الوطن….».

وباعتباري صحفي تُلزمه مهنته باستقاء المعلومة من أكثر من طرف، توثيقاً لسلامتها، لجأت لسلسلة مصادر ليس أقلها الإعلانات الرسمية التي روّجتها الدولة في تسويق مشروعها، الذي جاء بجدول زمني مُعزّزاً بفلسفة اقتصادية حكيمة، تحمل فائدة مزدوجة.

فمن ناحية، سيكون الدفع بالدولار، ما يعزز مصادر الخزينة العامة من العملة الأجنبية، التي كانت ترزح وقتها تحت ضغط الحاجة الشديدة للدولار، ومن ناحية ثانية هذه الأرض مضمونة، ومباعة من قبل الدولة بسعر محدد، ما يعطيها ميزة عالية في التنافسية الاستثمارية.

بالطبع سارعت لحجز إحدى القطع المعروضة، مدفوعاً بنظام التسويق الإلكتروني، والذي لا أنكر أنه زادني انبهاراً بحرفية ودقة التنفيذ، خصوصاً وأنه ربط أحقية الحجز، بأولوية تحويل المقدم الذي تم تحديده بـ 33 في المئة من إجمالي القيمة ما يضمن عدالة التوزيع على المستفيدين.

ولم يخل العرض من وضع شروط جانبية من ضمنها سداد الأقساط المتبقية على فترة 5 سنوات، يبدأ استحقاق أولها بعد استلام القطعة المخصصة، والذي كان يفترض أن يكون بعد عام من سداد الدفعة الأولى، والتي ستوجه حسب تسويق المشروع لتشييد البنية التحتية للمشروع.

وباعتباري مواطناً متطلعاً للمستقبل، قررت منذ اللحظة الأولى لاستلامي رسالة التخصيص من وزارة الإسكان مصحوبة بإيصال رسمي من البنك المركزي المصري في 20 يناير 2016 يفيد بأنني سددت مبلغ التعاقد المستحق، للبدء في رحلة الادخار، بهدف توفير الأقساط في مواعيدها المحددة والتي افترضت أنها ستكون نظامية على أساس أن المشروع بضمانة وملكية الدولة.

وأثناء ذلك أمتلك الشجاعة لأقول إنني فاتني العديد من الفرص المغرية استثمارياً وسكنياً، بذريعة أن «بيت الوطن» قادم خلال أشهر لا تتجاوز العام مع افتراض هامش تأخير لا يتجاوز عاماً إضافياً.

لكن المفارقة أنني وأثناء انتظاري لرسالة «عزيزنا المواطن يسعدنا إبلاغك بأننا في انتظارك لاستلامك بيت الوطن… نرجو مراجعة الجهاز المعني إدارياً وتنفيذياً لاستكمال بقية الإجراءات». اكتشفت أن هذه الرسالة متأخرة حتى الآن نحو 5 سنوات مع الأخذ بالاعتبار، أنني وفي كل يوم تقريباً أراجع بريدي الإلكتروني ممنياً النفس بوصولها، لكن دون جدوى رغم قدرتي الفائقة على البحث إلكترونياً.

حقيقة لم يستوقفني فحسب حجم الضرر المالي والمعنوي الكبيرين اللذين أصابني بسبب خيبة أملي في التعاطي حكومياً مع مشروع «بيت الوطن» فكوني صحفياً مُتخصصاً بالاقتصاد لفت نظري طريقة التعامل اللامسؤولة في إدارة هذا الملف الحيوي استثمارياً ومالياً لصالح الدولة، والتي تعاكس الجهود العملاقة التي تقوم بها الدولة بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القفز بمصر من محطة الانتظار والتعطيل إلى الصفوف الأمامية للدول المتقدمة بمشاريعها التنموية وطموح مواطنيها اللامحدود.

فباختصار، وبدون أي تعقيد لو كانت الدولة مضت قدماً في تنفيذ خطتها مع بيت الوطن حسب الجدول الزمني المعلن في بداية المشروع لكانت أمنت خلال السنوات الماضية، مستويات عالية من السيولة الدولارية، عبر تحصيلها الأقساط السنوية التي كان سيدفعها مستحقو هذه البيوت، وهم بالمناسبة يشكلون شريحة كبيرة ومؤثرة من حيث قيمة المدفوعات.

وربما لا يجافي الحقيقة القول إنه لو كان مشروع بيت الوطن نفذ حسب الجدول الزمني الطبيعي المقرر له لكانت الدولة حصلت خلال السنوات الخمس الماضية كامل أقساطها من المشروع، والتي كانت قد تغنيها عن بعض القروض التي استدانتها الدولة من الخارج خلال السنوات الماضية.

لكن ومع التأخير الطويل وغير المبرر ضاعت فرصة مؤكدة للدولة في توفير هذه السيولة الأجنبية المجانية، والتي تكتسي أكثر من أهمية مالية ونقدية، يأتي على رأسها أن أقساط المشروع بالدولار، وستتأتى من خارج النظام الاقتصادي المحلي، وبدون أي فوائد أو أي أعباء اقتصادية ستترتب على الدولة.

إذا كانت الفائدة من طرح المشروع مزدوجة للدولة وللمواطن، باتت الخسارة أيضا مزدوجة، وهائلة على المواطن والدولة، دون أن ننسى أن الخسارة الكبرى تتعاظم مع فقدان ثقة المغترب في المشاريع المقبلة التي ستطرحها الدولة باسمه، والذي كان ينتظر مصداقية التنفيذ حتى يتحول لمستثمر مؤثر إيجاباً في نهضة بلاده. ما يسبب عبئاً غير مستحق على العملية التنموية.

ولكي نكون منصفين يتحمل مسؤولية تعثر التسليم كل هذه السنوات المعنيون بتنفيذ المشروع نفسه، لا سيما وهم يرون أنهم الوحيدون المتعثرون وسط دائرة المشاريع التنموية الضخمة التي تنمو في مصر يومياً، وبمعدلات غير مسبوقة وغير متوقعة حتى من أكثر المتفائلين، مع عدم إعفاء الحكومة مجتمعة من مسؤولية متابعة هذا الملف الذي كان يمكن أن يشكل نجاحه منصة حكومية واسعة لاستقطاب المزيد من تحويلات المغتربين المصريين في الخارج، والتي سجلت خلال السنة المالية 2020 /2021 نحو 31 مليار دولار.

ولا يعدّ سراً القول إن تحويلات المصريين بالخارج تمثل مساندة قوية للاقتصاد المصري، كونها أحد أدوات الحكومة لتوفير السيولة الأجنبية لتلبية احتياجات السوق وسط تأثر قطاع السياحة والاقتصاد عموماً بسبب تداعيات كورونا فيما تعد مصر إحدى أبرز الدول المستقبلة لتحويلات العمالة العالمية، حسب بيانات البنك الدولي.

الخلاصة: قد يرى البعض أن التأخير في إنجاز المشاريع الكبرى أصبح أمراً لا بد منه، ولا مانع في ذلك، ولكن الحقيقة أن ضخامة تكلفة التأخير في كثير من الأحيان تكون مهولة وعبئاً كبيراً لا يمكن استيعابه.

كما أنه ليس منطقياً وغير مقبول حكومياً تقطيعها كل هذه السنوات في إيصال المواطن لبيته الذي اشتراه منها ودفع ثلث ثمنه مقدماً، وعلى المسؤولين وضع حدّ لمثل هذا التجاوز في حقوق المواطن المغترب لا سيما أن إنجاز أي مشروع في الوقت المحدد يعتبر من الأهداف الرئيسية والمهمة في إدارة المشاريع الكبرى. فتأخرها ولو لأشهر وليس لسنوات له انعكاسات سلبية عدة أبسطها أن «بيت الوطن…غلطة وندمان عليها».

بقلم. رضا السناري

[email protected]