الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

زي بره..

السبت 23/يونيو/2018 - 05:42 م

موضة هذه الأيام، إذا أريد إسكات أي نقاش مخالف أن يكون الرد التقليدي "زي بره"، أي علينا أن نفعل مثلهم لأنهم النموذج والقدوة. طبعًا "زي بره" تتحول إلى نحن لنا خصوصيتنا وما يجري في الخارج لا ينطبق علىنا، عندما يُراد التملُص مما يجري بره!!

أقول ذلك بمناسبة ما يُرادُ للتعليم في مصر. تطويرُ التعليمِ علمٌ ‏مستقرٌ ‏لا يعرفُ ‏التقلباتِ ولا الفجائياتِ. ‏ يرتبطُ ‏التعليمُ ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع، أخلاقياتُه وعاداتُه وأعرافُه؛ ‏المجتمعُ القائمُ على الأمانةِ والصراحةِ ‏يُجَرمُ تعليمُه الغشَ والكذبَ والإدعاءَ وسرقةَ مجهودِ الآخرين. ‏لكلِ مجتمعٍ نظامُه التعليمي، ‏يتحمسُ له ويتمسكُ به. ‏نظامُ التعليم في أوروبا واليابان والصين وكوريا والهند يختلفُ عن نظام التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ‏وهناك تصميمٌ على هذا الاختلاف. ‏لايمكنُ لنظامِ تعليمٍ أن يغيرَ عاداتِ المجتمع وموروثاتِه، ولا يُمْكِنُ أن يتجاوزَ الإمكاناتِ التي توفرُها البيئةُ التعليميةُ من معاملٍ وقاعاتِ درسٍ ومكتباتٍ وشبكاتِ الإنترنت. ‏وما ينطبقُ على التعليم دون الجامعي ينطبقُ على التعليم الجامعي. 

أما عما يُراد من تغيير لقواعدِ توزيع درجاتِ الموادِ في الكلياتِ الجامعيةِ، فللتذكير أولًا، فإن نظامَ التقديرِ التراكمي اِنتُهجَ ‏حتى تَكُونُ فترةُ الدراسةِ كلُها معبرةً عن مستوى الطالبِ، لا السنةَ الاخيرةَ فقط، حيث  كان ممكنًا قبل النظام التراكمي التدخلُ في النتيجةِ واختيارُ الأوائلِ بناءً علي آخر عام فقط. ‏والآن ظهرَ من يقولون أن توزيعَ الدرجاتِ بنسبةِ ٣٠٪؜ لأعمالِ السنةِ و٧٠٪؜ على ورقةِ الامتحانِ لا يحققُ العدالةَ للطالبٍ، حيث ستكونُ النتيجةُ النهائيةُ مبنيةً على امتحانٍ واحدٍ فقط. ‏وهو قولٌ في ظاهرِه الرحمةُ وفي باطنِه غبنٌ كبيرٌ قد يتعرضُ له المجتمعُ والطالبُ.  إحدى تنويعاتِ ‏البديلِ الأسوأ هي توزيعُ درجاتِ أعمالِ السنةِ بحيث تكون ٦٠٪؜ ولا يتبقى سوى ٤٠٪؜ لورقة الامتحان النهائي. لو علَمنا أن الورقةَ النهائيةَ تكون بأرقامٍ سريةٍ، أي أن المصححَ لا يعرفُ الطالبَ، وان درجاتِ أعمالِ السنةِ تَكُونُ بلا ضوابطٍ حقيقيةٍ لتيقنا  مما قد يتعرض له الطالبُ من تمييزٍ أو استبعادٍ لأي سببٍ كان.  ‏مقولة "زي بره" يصعُبُ تطبيقُها عندنا، لأنهم بره لا يعرفون الخواطرَ والمجاملاتِ التي يعاني منها مجتمعُنا مع كل الأسف. ‏لقد وصلت الامور للمناداة بكشفِ إسمِ الطالبِ للمصححِ على الورقة النهائية. وطبعًا كله "زي بره"!!

"زي بره" إلغاء سنة من كليات الهندسة، "زي بره" استنساخ نظم دراسة لا تناسبنا. ‏"زي بره" ما يتردد عن إلغاء الكنترولات وترك النتيجة تمامًا للمصححين. "زي بره" ورقة امتحان بنظام الاختيارات المتعددة لا يسمح بمعرفة مقدرة الطالب على الكتابة العلمية. هل لو كلُّه "زي بره" ستُخدعُ الدولُ وتظنُ أن التعليمَ المصري تقدمَ؟! ‏ثم، أيُ نظامٍ تعليمي يُستنسَخُ؟ الأمريكي أم الأوروبي أم الياباني أم الصيني أم الكوري أم الهندي؟ علي فكرة، النظامُ التعليمي ليس موحدًا في أوروبا، لأنه بيئةُ وثقافةُ مجتمعاتٍ تتمسكُ بشخصياتِها. 

هناك وجوه مؤبدة في لجان القطاعات بالمجلس الأعلى للجامعات، أهو "زي بره" أيضًا؟! هل الأحوال المادية لأعضاء هيئات التدريس "زي بره"؟  ‏هل احتكار المفهومية "زي بره"؟ مع الاحترامِ للجميعِ، "زي بره" في التعليم بكلِ مستوياتِه كبيرةُ المخاطرِ. 

كتابةٌ متثاقلةٌ مهمومةٌ. اللهم لوجهِك نكتبُ، علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
ا. د/ حسام محمود أحمد فهمي - أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس